من منا ومن منكم من لا يعرف الشيخ الجليل الفكي أحمد عبد القادر، الذي نشهد له بقوة الإيمان وبالتقوى والورع والصلاح، كان الرجل رجلاً صادقاً صالحاً يشرف أهله وعشيرته والأمة الإسلامية، كان علماً واسماً لا يشق له غبار ورمزاً من رموز الكدرو وحلفاية الملوك، هو في الأفراح يهنئ ويبارك، وفي الأتراح يعزي ويواسي، والله ما رأيناه عابساً ولا غاضباً، ترتسم على وجهه الصبوح ابتسامة هادئة لا تظهر سناً، وضحكة خفيفة لا تكشف عن ضرس أو ناب، كنا نتمنى أن يحذو الجميع حذوه، زرع شيخنا بذرة طيبة طاهرة في رحم زوجة مؤمنة عابدة، فأنجبوا بناتٍ عفيفاتٍ ذاكراتٍ وأبناءً أبطالاً ما كانت تهزهم العواصف ولا الرياح العاتية، كانوا كالأسود لا يخيفهم من يحمل السلاح بيد مرتجفة ولا يهابون الموت، وفيهم من مات واقفاً كشجرة الصنوبر، فخلدت أسماؤهم في حياتنا وسطرناها في قلوب عامرة بحبهم وبحب والدهم سنذكرهم وقت ما نشاء وأين ما كنا، فسيرتهم العطرة على كل لسان لا تمحوها عوامل التعرية ولا التقلبات المناخية- تعلمنا من هؤلاء الرجال معنى الرجولة علمونا الصبر يوم أن عجز الصبر عن صبرهم، علمونا أهمية التواصل مع الغني والفقير، زرعوا في نفوسنا الثقة بالنفس والقدرة على مجابهة قضايانا الملحة، أسسوا في مجتمعنا الإلفة والمحبة ووحدة الصف، ليتنا نحرص عليها وعليهما أن أهل مدينة الكدرو وبحمد الله يتعاملون بقيم الإسلام الحقيقي وبنهجه، يقرأون القرآن ويحكمونه فيما بينهم ويتمسكون بالسنة النبوية قولاً وعملاً ويقتدون بالقدوة الحسنة، فكان الشيخ الفكي أحمد عبد القادر خير مثال للطهر والصفاء والصدق والنقاء، كيف لا وهو من سلم المسلمون من لسانه ويده، كنا والله في منزلة أبنائه ولا فرق بيننا، فتعلمنا منه معنى الحياة، ومعنى الصدق والأمانة، نهانا عن الكذب والتنابذ بالألقاب، أدبنا فأحسن تأديبنا، راعانا ورعانا ولم يروعنا، بل وساهم في تربيتنا، عاش الفكي أحمد حياة الزهد فكان فقيراً ومات فقيراً، وأسقط من حساباته متاع الدنيا، ولم يتفاخر بها يوماً، فدعونا نقف لهذا الرجل تأدباً وإن لم يكن فكاد أن يكون رسولاً، إنه المعلم الذي وهب حياته لحمل هذه الرسالة العظيمة فأداها بمهنية عالية وبمسؤولية، ولم يتأخر يوماً عن اداء واجبه ولم نجد له حصة فاضية طيلة الأربع سنوات التي قضيناها بمدرسة الكدرو الابتدائية في عصرها الذهبي، أيقظ فينا هذا الأب الروحي روح العلم والمثابرة والاضطلاع، حببنا في مادة الجغرافيا بالخرط المؤدية لكشف الكنز المليء بالحلوى، وتعلقنا بمادتي العربي والدين، ولا زلنا ننعم بهذه الذخيرة الحية، ونقاتل بها في كل الميادين وفي الساحات السياسية دون هزيمة. رحم الله الفكي أحمد عبد القادر والد المغفور له بإذن الله عوض، ذلك الرجل البسيط الطيب المحب لكل الناس، والشهيد رائد طيار عبد القادر الكدرو، والشهيد البطل حسين الكدرو، والشهيد مهندس بشير الكدرو، واللواء (م) طه الكدرو- أمد الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية- ألا يحق لنا أن نفتخر ونفاخر بهم بمثلما افتخروا بمدينة الكدرو التي كانت من أعظم الأوسمة فتزينت بها صدورهم- إن تصوري وإحساسي بهذا الشيخ الجليل الفكي أحمد هو ما دفعني لاجترار هذه السيرة العطرة، ولا زالت صورته مطبوعة في ذهني منذ الصغر، ولهذا هيأت لها المكان وهذا المقعد الوثير ووسدتها كل الحروف الأبجدية جملتها بزخارف ذات لون وطعم ورائحة هي كالمسك بل أشد، ويملي علي الواجب أن أجزل له الشكر كل الشكر دون نفاق أو تملق، وأكره أن أكون من الذين يأكلون من فتات موائد الأسياد، ومن الذين ينحنون ويمدحون ويمجدون من لا يستحق، إما طمعاً في الرضا أو خوفاً من سياط جلاد لا يرحم فأدعوكم جميعاً أن تدعو لشيخي ومعلمي الفكي أحمد عبد القادر، وفاء لما قدمه من علم نافع ومن جلائل الأعمال، ولن أنسى يوم أن رددنا ساعة تشييعه وجبت وجبت لشيخنا الجنة- غفر الله له ورضي عنه ورحمه برحمته التي وسعت كل شيء.. اللهم أجعل قبره روضة من رياض الجنة وأجعل الجنة مثواه اللهم أجعله من أصحاب اليمين/ الله آمين.