الأستاذ الكريم عبد الرحمن جبر دفعني هجومك الأخير على الفنان الجميل والمبدع محمد موسى.. لقد تجنيت على هذا الرجل الذي ما إن نراه حتى يملؤنا السرور والابتسام بمجرد رؤياه خصوصاً برنامجه (الشروق مرّت من هنا).. ليته كان اسمه (الشروق تسكن هنا) لتطول مدة عطائه الممتع. قرأتُك تحمّله مسئولية الطُرف التي تسخر من صفة سالبة تلصق بالقبيلة لكثرة ما تميز بها بعض أفرادها وأبرزتَ الدليل بذلك الذي قتل شخصاً وصفه بأنه من أهل العوض. إن هذا الأمر يحتاج للنقاش والتوضيح.. كيف بدأ وكيف سار من بلاد العرب والعجم ولماذا انتهى عندنا كمجرد نكتة.. ولا مجال لهذا في مقالة صحفية، أقترح عليك أن تعقد ندوة في صفحتك الفنية تطرح فيها هذا الموضوع لأساتذة الأدب وتاريخه والفنون والعلوم النفسية والنقاد والمبدعين أصحاب هذا المجال. أعود بك لحملتك على الأستاذ محمد موسى لأرى عكس ما ترى، فهذه النكات لا تعني أبداً الإساءة للقبيلة وإنما تشير أن هناك صفة سالبة انتبه لها الناس وبدل أن يقوِّموها في شكل موعظة قدموها في إطار طرفة وهي بالتأكيد لا تشمل كل أفراد القبيلة، فصاحب النكتة أطلق العموم وأراد الخصوص كما يقول المناطقة، فمثلاً تلك الصورة المتداولة على وسائط الاتصال وفيها صورة عربة ليس فيها أي مكان لراكب بل مخصصة فقط لكرسي السائق ومكتوب عليها (عربية شايقي) فهذه نكتة لا تعني أبداً أن الشايقية كلهم جبارين وجلود حتى لو خالفني البعض فهم أيضاً يضحكون وقد يكون فيهم شايقية ولكن الحقيقة التاريخية والأصيلة أنهم كرماء (وسدّادين فرقة). أما ذلك القاتل لمجرد إلحاقه بأهل العوض بل وكل من يغضب لهذه النكات يكون ذلك سببه الأمية التعليمية والحضارية والثقافية والإحساس بمعاني الجمال وصور الإبداع والطرافة في النكتة، وآخر الأمر فيها تحفيز لأهل القبيلة للرد على كل صفة سالبة لإبراز الكثير من أضدادها الموجبة وهذا ما نعرفه من كل قبائل السودان (أنحنا الفينا مشهودة) (والعارف عزو مستريح). ولا أريد أن أستعرض موروثاتنا لكن مثال آخر: هناك نكتة تقول: (قالو الجعلي ساكي الحرامي النسوان زغردن فات الحرامي) فإذا كان المستمع يملك مقومات الإحساس الفني وروح النكتة لا بد أن يضحك وإذا غضب فاعلم أن من العرب من كانت له هذه الصفة السالبة، وقديماً وصف بها طَرَفَة بن العبد البَكري حين قال: إذا القوم قالوا مَنْ فتىً لقبلية خِلتُ أنني عُنيتُ فلم أكسل ولم أتبلَّدِ لاحظ أن صفة التهور لم تُلصق بقبيلة (بكر) كلها وكان بالإمكان أن ترد نكات في هذه الصفة لو كان طَرَفَة بن العبد حضر هذا الزمان الذي انتهى إلى قناعة بأن النكتة تضحك وتعالج. وحتى الصفات الموجبة عندما تلحق بشخص منسوب لقبيلة لا يفترض أن تكون لدى أهل القبيلة كلها، فحاتم الطائي مشهور ويضرب به المثل في الجود والكرم فهل هذا يشمل كل قبيلة طي أم أن المقصود هو حاتم بن عبد الله بن سعيد الطائي؟ والجاحظ في كتابه (البخلاء) ذكر أسماء منسوبة لقبائلها فهو يعني أفراداً أو حتى جمهرة منها، كل ذلك إنما يرجع إلى المتلقي الذي يختلف رد فعله من شخص لآخر، منهم من يعتبرها نكتة جميلة فيها طرفة ومنهم من يعتقد أنها إساءة لأهله وعشيرته، وليكن المثال ما نراه في الشارع أو في حياتنا اليومية إذا وقع خلاف بين متعلم وجاهل كيف تكون ردة فعل كل منهما؟ فالأمر نفسه ينعكس عند استقبال النكتة. ترى لو أتاك أستاذ جامعي أو من أي مدينة من مدن الجزيرة ووجد عندك عدداً من الضيوف وقدمته لهم قائلاً الأستاذ الدكتور فلان الفلاني من أهل العوض ترى ماذا يكون رد فعله سوى الضحك أو الإضافة بكلام مضحك وممتع، وحبذا لو كان هذا الضيف الدكتور عبد اللطيف البوني.. أخي الكريم إنه الوعي الحضاري والتثقيف المعرفي الذي يجب أن يعم كل قرانا.. وهذا دور ولاتنا الجدد بإذن الله. وبعد! عوض أحمد معلم ثانوي بالمعاش من المحرر: عفواً أستاذ عوض أحمد نحترم رأيك ونقدره كثيراً ولكن عليك إعادة النظر فيه وسوف نعود للتعقيب عليه مجدداً