لم يكن تحديد الثامنة صباحاً موعداً لبدء اليوم الدراسي خبط عشواء , إذ لا بد أن يكون القرار قد بنى على عدة أسباب أهمها الجو الصباحي المناسب للتلاميذ و التوقيت المناسب لصحو التلاميذ خاصة الصغار , و الزمن المناسب لتمكين البعيدين من الوصول لمدارسهم . و هو موعد أثبت التجريب أنه الأنسب حتى أصبح مألوفاً . و لم تكن الإدارة المدرسية بحاجة إلى هز التجربة الناجحة ب (مغامرة) البكور حيث أصبح صغار التلاميذ يسيرون إلى مدارسهم و هم بين النوم و اليقظة مغمضي العيون يغلبهم النعاس , و تنبحهم كلاب الحي و قد تعضهم و هم يسيرون في آخر الليل لمدارسهم .. و بما أنه لا يصح إلا الصحيح فقد عادت المدارس سريعاً للتوقيت الذي ألفته .. و بذات الطريقة رسخ تقويم العام الدراسي , فحددت بدايته و نهايته بما يحقق أكبر فوائد العملية التعليمية و التربوية , و كان أهم سبب للتقويم الحالي في ولاية الخرطوم و غيرها من المناطق الصحراوية و شبه الصحراوية هو تجنب إمتداد العام الدراسي إلى فصل الصيف الحار , حيث الأجواء الساخنة المعيقة للتحصيل , و فوق ذلك خطر أمراض الصيف و بالأخص السحائي , الذي يسببه ضمن عوامل أخرى الزحام , فتنصح وزارة الصحة بتفادي الزحام في اشهر الصيف , و لا يعقل أن تقابل وزارة التربية توجيهات وزارة الصحة بفعل معاكس و كأنها تدعو السحائي للفتك بالتلاميذ . و لذا بقى توقيت بدء العام الدراسي في يونيو أو يوليو ؛ إلى أن ظهرت دعوة مشابهة لفكرة البكور تقترح أن يبدأ العام في سبتمبر , كمثال لغياب التخطيط و التصرف بردود الأفعال ؛ و ليس أدل على ذلك من التعجل بتعديل التقويم السنوي المستند لعدة أسباب منطقية لمجرد هطول أمطار في الخرطوم عطلت الدراسة لأيام , فسارع مقترحو التعديل بالمناداة بتأجيل بدء العام الدراسي حتى سبتمبر متناسين أخطار التأخير إلى ما بعد الخريف و ما يجره من أخطار بتوغل العام الدراسي في أشهر الصيف . هذه الطريقة تعرض بلا شك السنة الدراسية إلى تأرجح و عدم إستقرار إذا أدير الامر برد الفعل , فيبدأ العام في يونيو فإذا هطلت أمطار , سارع العجلون بمقترح لبدء الدراسة في سبتمبر ؛ فإذا إمتد العام إلى أبريل و سقط مئات التلاميذ ضحايا للسحائي يسارعون بإرجاع العام إلي يونيو , و هو موعد قد يتعدل للمرة الثالثة عند أول (مطرة) قد تهطل في الخرطوم التى يندر فيها المطر الغزير بحكم موقعها الجغرافي .. و هكذا يصبح العام الدراسي تحت رحمة الأمزجة و رد الفعل المتعجل , رغم إفتراض أن التقويم الدراسي قد حدد بدراسة علمية تجعله مستقراً بحيث يظل كغيره من القرارات الإستراتيجية راسخاً لزمان يطول بلا تعديل إلا بظاهرة كونية كبرى , و هو ما لا يحدث إلا كل ألف سنة .. القرار بالإبقاء على الموعد السابق لبدء العام الدراسي , صحبه ملحق بالإبقاء على مقترح التعديل . و هو تفكير توفيقي أفسد القرار و اضعف حجيته .. قرارات كثيرة تتأرجح بسبب إنفعالات لحظية تضيع معها أسباب إتخاذ القرار الاول و مزاياه , و تبرز مزايا محدودة للبديل المقترح ..