الإفطار القومي السنوي الذي درج الكونغرس الأمريكي على إقامته سنوياً بحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكبار الشخصيات الأمريكية والعالمية كان استثنائياً هذا العام، إذ لأول مرة تقدم للسودان دعوة رسمية على المستوى التنفيذي بحضور وزير الخارجية علي كرتي. واللجنة المشتركة التي يرأسها هذا العام كل من روبرت بوب كيسي وروبرت ويكر، وقدم كيسي عضو الكونغرس دعوة رسمية لكرتي لحضور الفعالية رقم (63) حيث حصلت آخر لحظة على نسخة من رقعة الدعوة التي قالت بعض المواقع الأسفيرية إن واشنطن لم تقدم دعوة للوزير، بل إن منظمة كنسية هي التي قدمت الدعوة تكريماً لكرتي لدوره في الإفراج عن مسلمة تنصرت مؤخراً. ويرى مراقبون أن الدعوة تعتبر نقلة نوعية في تاريخ تقديم الدعوات لا سيما أنها لأول مرة تقدم لمسؤولين تنفيذيين ولكن حذر مراقب من عدم الإفراط في التفاؤل بشأن تطبيع أو حتى إصلاح العلاقات عبر القنوات الدبلوماسية، حيث إن التمثيل الدبلوماسي ما زال على مستوى قائم للأعمال وليس درجة سفير، غير أن الدعوة تعد خطوة لاستمرار الحوار والحليولة دون انقطاعه سيما أن الاجتماعات الداخلية للكونغرس ما زالت تكيل الكيل للسودان، وما زالت واشنطون تتمسك بشروطها لاستمرارية الحوار بشكل جدي والتي تتمثل في إصلاح السياسات الداخلية والخارجية للسودان، فواشنطون ما زالت ترى أن السياسة الخارجية للسودان يحطيها الكثير من الشكوك - إن صح التعيبر - بمعنى أن الخرطوم لها علاقات مع بعض الجماعات تثير حفيظة واشنطن.. الشيء الذي نفته تماماً وعضدته بالتعامل في ملف مكافحة الإرهاب بشهادة واشنطون نفسها، بجانب السياسة الداخلية التي تتمحور في الحروب الداخلية الموجودة في البلاد. ولكنها في ذات الوقت تمثل خطوة في مشوار طويل نحو تطبيع العلاقات السودانية الأمريكية التي تعرضت لجملة من الهزات منذ مجيء حكومة الإنقاذ في العام ألف وتسعمائة تسع وثمانين لطبيعتها الآيدولوجية أعقبتها فرض الإدارة الأمريكية العقوبات الاقتصادية على السودان بجانب ضرب مصنع الشفاء واتهام السودان بالإرهاب عقب استضافته لأسامة بن لادن بالخرطوم رغم تعاونها. في السياق لم يستبعد الأستاذ فيصل محمد صالح الخبير في الشأن الأمريكي خطوة تطبيع العلاقات بين البلدين لا سيما عقب انخراط واشنطون في محادثات ثنائية مع إيرانوكوبا خاصة الأخيرة بعد قطيعة امتدت لأكثر من نصف قرن، ولكنه حذر من الإفراط في التفاؤل في ذات الوقت، لا سيما في ظل لوبيات تكيل العداء للسودان والتي ظهر دورها جلياً في التشكيك في الدعوة التي قدمت لكرتي وأثارت الكثير من الاضطراب، سرعان ما ردت الخارجية السودانية وقالت إن كرتي تلقى دعوة رسمية من أعضاء في الكونغرس. والثابت أن هنالك تشابهاً بين السودان وكوبا، فكلا الدولتين شملتهما العقوبات الأمريكية والعداء الآيدولوجي مما يعضد المقولة الرائجة «عدو اليوم صديق الغد»، فالمراقب للأحداث يرى أن المصالح الأمريكية اقتضت إنهاء القطيعة بين واشنطون وطهران وهافانا، حيث أديرت المحادثات الأمريكية - الكوبية على مستوى عالٍ توطئة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين خصمي الحرب الباردة، تمخض عنه حصول نحو 20 ألف كوبي على تأشيرات كل عام، وصل 25 ألفاً آخرين من أنحاء العالم بدون تأشيرات في 2014 قامت على إثره واشنطون بتطبيع القانون الأمريكي من أجل استعادة علاقاتها مع كوبا، أطلق عليه قانون التعديل الكوبي مع سريان حزمة السياسات المرتبطة بالهجرة والمعرفة بالقدم المبتلة والقدم الجافة، بجانب التمهيد للعقوبات الاقتصادية المفروضة على كوبا والحظر التجاري الأمريكي المستمر منذ 53 عاماً، أي أكثر من خمسين عاماً، وإيران التي تم قطع علاقات الولاياتالمتحدةالأمريكية معها لسنوات عديدة، وليس ببعيد أن تتحكم المصالح الأمريكية في السودان مما يقود لإدارة محادثات حقيقية بين البلدين، فكما أن السودان في حاجة لأمريكا فيما يلي الإسبيرات ورفع العقوبات الاقتصادية ليتسنى له الانفتاح نحو العالم، فواشنطون أيضاً في حاجة للخرطوم. السفيرة والراجح أن كرتي سيعود للبلاد اليوم يحمل بشريات أو غيرها من نظرائه الأمريكيين ومرافقيه، حيث يرافق كرتي وفد أكاديمي دبلوماسي يضم مدير إدارة العلاقات الدولية السفير سراج الدين حامد.