قد يسأل سائل: ما مصير الذين لم تصلهم رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هل هم محاسبون يوم القيامة؟.. ونجيبهم على ذلك من خلال أحداث الزمان ومثاليه التي تدل على قدرة الله تعالى، فقد تولى الله تعالى بعد بلاغ رسوله إكمال تبليغها لكل مخلوق على هذه البسيطة، بطرق شتى ينتبه لها من أراد أن يعرف ولا ينتبه لها من لا يريد ذلك، فالرسالة ماضية ولن يتوقف إبلاغها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالله لا يظلم أحداً وهو الحاكم العادل في حكمه، ورسالة النبي «صلى الله عليه وسلم» إلى الناس كافة لم تقف بموته؛ بل ماضيه، والله يحرك مسيرتها بقدرته وبشتى الطرق إلى قيام الساعة، سواء أحسسنا بذلك أم لم نحس به، ويقول عز وجل في كتابه العزيز «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم أفلا يبصرون»، وإذا أخذنا مثالاً ندلل به على ذلك؛ فلنا في ما حدث لصحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية؛ والتي نشرت رسومات كاركاتيرية مسيئة لرسولنا الكريم، خير مثال، فهم يجهلون عظمته وقدره عند الله وعندنا، ويجهلون أن الله مدحه واصطفاه من دون البشر كلهم، وجعله خاتم الأنبياء المبعوثين رحمة للعالمين، وقد كانت الصحيفة تطبع ستين ألف نسخة إلا أنها قد أصدرت ستة ملايين نسخة يوم أن خرج أهل الكفر في هرج ومرج، محتجين على ما حدث لأولئك المسيئين، وإذا كانوا قد خرجوا عشرات المئات بباريس؛ فقد خرج عظماؤهم وكبراؤهم في أوروبا بالملايين؛ ومع كل منهم أسرته وأصدقاؤه وزملاء عمله، ناهيك عما قامت به وسائل إعلامهم المرئية منها والمسموعة والمقروءة من متابعة الحدث وبث الأباطيل حوله، وكل ذلك لا يكون مفتاحاً من مفاتيح البحث لذوي الأبصار «إن الله يهدي من يشاء»؛ عن من هو محمد وما دينه وما كتابه الذي أثار كل هذه الضجة الكبرى، وما بال أتباعه «الإرهابيون» يبذلون الأرواح من أجل الدفاع عنه وعن دينه؟! لتقود هذه الأسئلة- في نهاية الأمر- إلى البحث والمعرفة عن الإسلام، حتى تصل القاصي والداني منهم، وهذا كله بقدرة الله سبحانه وتعالى وتسخيره، وهكذا تتعدد سبل إبلاغها حتى تعم الكون كله، فما من أحد في الكون لم تصله دعوة رسول أرسله الله في الأرض، وقد نعلم وقد لا نعلم بكيفية وصولها ولكنها وصلت، فالله لا يظلم أحداً وهو العادل الخبير. أما عن الأذى الذي لحق برسولنا وأغضب نفوسنا، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم منه وهو حي، وقد لحقه حتى من أهل بيته، قال تعالى فيمن لقي منهم العنت والنصب: «تبت يدا أبي لهب وتب» وغيرها من آيات القرآن الكريم عن الذين آذوه ولم يؤازروه، وهي عزاء لنا، بأن ندرك أن الحق له أعداؤه إلى قيام الساعة، وإذا نظرنا حتى على مستوى حياتنا التي نعيشها فكم من مصلح في الأرض لاقى من عنت ومشقة ومعارضة وإساءة في سبيل الحق، فكيف بالرسل وقد أرسلوا إلى أمم بحالها، وهذا لا يعني ألا نغضب ونثور ونستنكر ونجاهد من أجل نبينا، فالذي لا تحركه مشاعر غاضبة لمساس رسوله الكريم فليس بمسلم، رغم أن تحريك مشاعرنا نفسها، لم تكن عبثاً فهو كذلك حكمة من الله سبحانه وتعالى لمضي الرسالة وتجديدها وتنشيط مفعولها حتى في أنفسنا نحن المسلمين لنعلم مكانة رسولنا وموضعه بين أنفسنا والتزود بمعرفة المصطفى «صلى الله عليه وسلم» والتمسك بدينه أكثر مما نحن عليه، وعزاؤنا أن الله بالغ أمره ولو كره الكافرون، فقد تحرك المؤامرات وتكثر الدسائس ويتنوع المكر، وعاقبة الأمر كله لو أننا تمعناه وتدبرنا أمره، فهو المكر على الإسلام «استكباراً في الأرض ومكر السييء ولا يحيق المكر السييء إلا بأهله».. فليرسموا رسوماتهم؛ فإننا نعرف قدر رسولنا ونعرف عظمته ونؤمن بما جاء به وندرك مصيرنا ومصيرهم ونصدق ما قاله رسولنا «صلى الله عليه وسلم» لأهل القليب: موتاكم في النار وموتانا في الجنة، وهذا كذلك إشارة ماضية بمضي الرسالة، فعذراً حبيبنا المصطفى إذا مسك أذى ممن لا يعرف قدرك، ولا يعرف ما جئت به من حق، فلو أنهم عرفوه وأدركوا حقائقه لما كان كما نعيشه اليوم من ظلمات وظلم وتعذيب وفساد في البر والبحر بسبب جهلهم لك، وما نزل عليك من الحق، فصلى الله عليك عدد ما كتبت أقلامهم وعدد ما كتبت أقلامنا، وصلى الله عليك عدد ما نطقت ألسنتهم فيك، وعدد ما نطقت ألسنتنا عنك، صلاة تنصرنا عليهم حتى يعم الأمن والسلام في أرض أمتك كلهم.