صعد نجمه وسطع حين أعلن باسم الجيش نهاية عهد مايو وإقالة الرئيس القائد الملهم جعفر النميري.. ولفت المشير سوار الدهب الإنتباه لمّا أعلن أن الجيش سوف ينقل السلطة لحكومة منتخبة بعد عام لن يزيد.. فكان عهداً نادراً في العالم الثالث الذي لا يترجل فيه طواعية جنرال عن صهوة السلطة، ولما أوفى المشير بعهده أصبح علماً يشار إليه بالبيان وحظى باحترام كبير، وكتبت عنه صحيفة أردنية إفتتاحية بعنوان (هذا السوار.. هذا الذهب). هذه مؤهلات ساقها القدر للمشير ليصبح شخصية سودانية قومية يجمع عليها الفرقاء.. ويلجأون إليها في الملمات عندما يكون الحياد هو الشرط الضروري في الوسيط المرشح لإخراج الوطن من أزمته.. لكن يبدو أن سوار الدهب لا يدرك قيمة ما ساقه إليه القدر، فالرجل الذي اكتسب الإحترام لتسليمه السلطة لحكومة منتخبة لا يدرك خطر تطوعه برئاسة لجنة تدعم ترشيح قائد الإنقلاب الذي أطاح بذات الحكومة المنتخبة.. ويترك رئيس الهيئة (القومية) لدعم ترشيح عمر البشير جوهر المسألة مركزاً على فرعية فيها، فيهدد بالاستقالة من الهيئة إذا ثبت له أن الحكومة تمول حملة البشير، وكأن الحزب الحاكم سيكشف له أسرار التمويل.. وإذا كانت العملية الانتخابية بهذه الشفافية التي يظنها هذا الرجل (الطيب)، فما سبب شكوى الخصوم إذن؟ ويتطوع المشير سوار الدهب بما لم يطلب منه حين قال إن البشير هو المرشح الذي يجمع عليه الشعب السوداني، وإذا كان الحال كذلك فلماذا قبل سوار الدهب الإشتراك في لجنة الحكماء، ولماذا إنضم إلى هيئة جمع الصف الوطني التي يدل تكوينها واسمها على وجود أزمة سياسية؟ يبدو أن الرجل يفتقد العمق السياسي فيشارك في أية لجنة يدعى إليها، وقد فطن المؤتمر الوطني لذلك، فوظف بدهاء مكانة سوار الدهب لتحقيق مكاسب حزبية.. ولا يهم الحزب الحاكم ما يجره هذا التوظيف من أثر سالب على مكانة الرجل.. ما دام الرجل نفسه لا يدرك هذا الخطر، ولايأبه بإهدار رصيده الغالي. لقد فعل أوباسانغو في نيجيريا ما فعله سوار الدهب في السودان، فنقل السلطة لحكومة منتخبة، واكتسب احتراماً جعله أحد حكماء أفريقيا، لأن للرجل رؤية ثاقبة جعلته يوظف مكتسبه بما يوائم دوره المقدر في نيجيريا، الذي أهله لدور أكبر في القارة، كان في إمكان سوار الدهب (حجز) دور مماثل، لا في القارة كلها , إذ يكفي أن يلعب الدور في وطنه السودان، لكن يبدو أن الرجل أدى دور الإنتفاضة بدون أن يعي أهمية ما أقدم عليه، فظن الناس أن الرجل ينقل الوطن إلى نظام ديمقراطي، بينما كان هو ينظر لفترة الانتقال باعتبارها مصيبة تورط فيها، فأصبح يعد الأيام حتى يكتمل العام وينجلي ذلك الهم.