لم أسمع ولو لمرة واحدة أن المؤتمر الوطني غير موقفه من الاستفتاء أو الاتفاقية أو الدستور الانتقالي.. ولم أسمع كذلك ولو لمرة واحدة حديثاً يشكك أو تصرفاً يقود إلى غير ما قالت به الاتفاقية، لأن الكل صفق لها وأيدها وأكد على ما جاء فيها ونفذ جميع بنودها في المواقيت الزمنية المحددة.. وكذلك التأكيد على احترام رأي المواطنين في جنوب البلاد وموقفهم من الوحدة التي جاءت الاتفاقية لجعلها جاذبة.. ولعلها كانت كذلك بدليل الالتزام بجميع بنودها وإنفاذها ولم يتبقَ منها سوى بند واحد هو الاستفتاء النزيه، الشفاف، الخالي من القهر والتهديد والتخويف.. ولكن هل يمكن أن يتحقق هذا في حكومة لا تسيطر على جيشها، وحكومة تستعين على البلد بخبراء غربيين نعلمهم ونعلم أجندتهم ونعلم ما يدبرونه لنا وللشعوب الأفريقية وشعوب العالم الثالث من مكائد ودسائس وفتن وسعي لاختراق أي قوة تسعى للاتحاد والقوة وبناء الدول وتحقيق التنمية. اعتقد جازماً بأن شيئاً مما نقوله وتقوله الحكومة والمؤتمر الوطني لن يتحقق.. فالاستفتاء سيكون بذات أسلوب الانتخابات التي سكت عنها المراقبون«الدوليون»، وسكت عنها حتى المؤتمر الوطني الذي نظم أعظم انتخابات بصورة راكزة وشفافة وديمقراطية.. وبرغم ذلك لم يسكت الذين سكتوا عن التجاوزات التي حدثت من الجيش الشعبي في الانتخابات، الأمر الذي دعا العديد من فصائل الجيش الشعبي تتمرد عليه وعلى رأسهم القائد أطور. أمريكا سكتت على تلك التجاوزات الخطيرة في انتخابات الجنوب وسكتت على كل المخالفات للاتفاقية التي جرت من الحركة، وأحدثها طرد المواطنين الشماليين بمنطقة جودة وإجلائهم عن موطن عيشهم ومكان مولدهم وإقامتهم في أعالي النيل وكذلك ما يحدث في منطقة أبيي.. وهناك الكثير من الخفايا الناتجة عن تصرفات المتطرفين من قيادات الحركة والخبراء الأجانب الذين يدلونهم على كل ما يمكن أن يؤدي إلى انفصام عرى العلاقات بين شعب واحد في وطن واحد.. وهو ما لا يقبله الأمريكيون في ولاياتهم والإنجليز في مواجهة الجيش الأيرلندي وشعب أيرلندا وفرنسا في حق فصائل الباسك الذين يريدون إقامة دولتهم وهكذا يديرون الأمور. وحتى اللحظة لم ينطق البشير بكلمة واحدة تدعو للانفصال، على العكس من قيادات الحركة الشعبية المشاركة في حكم السودان كله ولهم في ذلك نصيب الأسد.. هم يطالبون بأرض لا يملكونها تاريخياً.. لأن أرض السودان كلها ملك للنوبيين الذي وجدوا مع وجود الأرض هم أصحاب أرض السودان الأصليين.. أما الذين نزحوا صوب النيل الخالد من الأزل سواء من جهة الشرق من على سفوح الجبال أو من الغرب من مجاهل الصحراء.. هذه هي الحقيقة العارية من كل شائبة إن كان الأمر أمر حقوق وتاريخ ثابت وراسخ.. النوبيون هم الأصل جغرافية وتاريخاً وحضارة وثقافة ولغة ما زالت موجودة ومتفاعلة.. ورغم كل هذه الحقائق الدامغة يعلو صراخ بعض قيادات الحركة الشعبية ضد الشمال ليفتعلوا أشياء هم أجدى بارتكابها مثل المماطلة في قضية ترسيم الحدود، ومنع القائمين على أمر الترسيم من إنهاء قضية الحدود حتى يحين وقت الاستفتاء فيحولون أمر الحدود إلى معركة وحرب بين الشمال والجنوب وباباً للتدخل الأجنبي الذي يقيم الآن في الجنوب- يدرب الجيش ويقوم بتسليحه ظناً منهم بأن ذلك يمكن أن يؤذي أهل الشمال ويدمر دولتهم.. ولكننا نفهم أن تصرفاً مثل هذا الذي يعد له صقور الحركة إنما سيقود إلى نهايتهم وتبدد أحلام الذين يقفون وراءهم. الاستفتاء قائم في موعده، وبشروطه المؤدية إلى سلامة الأداء فيه، ليكون معبِّراً عن صوت المواطن الجنوبي وليس محققاً لأحلام الصهيونية والإمبريالية، والتأكيدات بقبول النتيجة موجودة وماثلة انفصالاً كانت أم اتصالاً.. ونأمل كثيراً أن يخذل شعب الجنوب أولئك الذين يريدون اختطافهم وبيعهم ونهب ثرواتهم لقوى طامعة، وأن يصوتوا للوحدة لنرى عقب ذلك ماذا هم فاعلون.. نقول هذا وبين أيدينا أجندة المستعمر البريطاني الذي حارب الحكومة المهدية الثورية في السودان أواخر القرن التاسع عشر و وضع مخططه القاضي بفصل الجنوب عن الشمال وفق قانون المناطق المقفولة، وضخامة الجهود التي بذلها لبذر الفتنة ورعايتها حتى تحولت إلى حرب أهليه كان وقودها وضحاياها أهل السودان جميعاً في الشمال والجنوب.. فهل نتركه يجني ثمرات خبثه وتآمره ضد وحدة السودان وسلامة واستقراره!!؟ الإجابة نحن نقول لا.. وصقور الحركة يقولون نعم!