محمد البشاري : لم يكن الوصول إلى اتفاق إعلان المباديء حول مشروع سد النهضة وتوقيعه بالأمس في الخرطوم من قبل رؤساء السودان ومصر وأثيوبيا بالأمر السهل، غير أن رغبة القيادة في الدول الثلاث كانت أكبر من الحواجز والعقبات التي وضعت في طريقهم بالتوقيع على الاتفاق بمباني القصر الرئاسي الجديد وسط حضور إقليمي كبير في مقدمتهم نائب رئيس دولة الجنوب جميس واني إيقا ورئيس الوزراء بدولة يوغندا، غير أن الإعلاميين بدأت رحلة بحثهم وملاحقتهم للمسؤولين في باحة القصر الفخيم للتعرف على فحوى الاتفاق الذي تم توقيعه وأهم بنوده. ٭ هاجس وقلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ابتدر حديثه خلال الجلسة المخصصة للتوقيع على اتفاق إعلان المباديء حول مشروع سد النهضة بالقول إن التوقيع يمثل الخطوة الأولى فى طريق التفاهم والتعاون بين الدول الثلاث، ومضى ليؤكد أن مشروع سد النهضة كان مصدر تطلع وشواغل لشعوب الدول الثلاث على مدى السنوات الماضية، وقال إن المشروع بالنسبة للملايين من مواطني أثيوبيا يمثل باعثاً للتنمية من خلال إنتاج الطاقة النظيفة والمستدامة بينما يمثل للمصريين هاجساً ومبعث قلق، لأن النيل هو مصدرهم الوحيد للحياة، مشيراً إلى أن استخدامات مصر من مياه النيل تقدر بحوالي (55) مليار متر مكعب سنوياً في إقليم وصفه بأنه يتميز بالجفاف، وأضاف «لكننا استطعنا أن نتوصل من خلال الحوار المتواصل والعمل المثمر لنقطة البداية على طريق الأمل في مستقبل يلبي احتياجاتنا معاً ويضاعف قدرتنا على الوصول لأهداف أبعد وعوائد أكبر»، وتابع «لم يكن أي منا يطمح أبداً في تحقيقها منفرداً أو على حساب الآخر لكن القيمة الحقيقية لوقوفنا هنا جنباً إلى جنب لا تكمن في وصولنا لهذه النقطة فحسب ، وإنما فى المضي قدماً على ذلك الطريق الذي اخترنا أن نسلكه سوياً وفي اتخاذ الإجراءات التي تكفل استكمال العمل بنفس روح المفاهيم والتفاهم حتى ننتهي بنجاح وفي أسرع وقت ممكن من مسار الدراسات الفنية المشتركة القائمة والبناء على نتائجها للتوصل إلى اتفاق حول قواعد ملء خزان السد وتشغيله وفق أسلوب يضمن تحقيق المنفعة الاقتصادية لأثيوبيا دون الإضرار بالمصالح والاستخدامات المائية للسودان ومصر»، واتجه السيسي للتأكيد على صدق التزام مصر في التعاون الكامل مع أثيوبيا والسودان من أجل دعم ودفع عمل اللجنة الفنية الثلاثية لإتمام مهمتها في أقرب وقت ممكن، مشدداً على ثقته في أن دولة أثيوبيا لديها ذات العزم والقدرة. ٭ نوايا طيبة الرئيس المصري ذهب أبعد من ذلك في تفاؤله من خلال تأكيده بأن الدول الثلاث لديها الرغبة الصادقة في تحويل الاتفاق المكتوب إلى حقائق ملموسة وأن الإرادة التي كانت وراء التزامهم به ستستمر وستزداد صلابة وأنهم لن يسمحوا لأي عقبات بأن تؤخر تقدمهم أو تعيدهم للماضي الذي قال إنهم تجاوزوه، وشدد على أن خطوة التوقيع تمثل أصدق برهان على قدرة الدول الثلاث وإصرارها بشكل إيجابي على أن تترجم مفهوم المكاسب المشتركة للجميع وتجنب الإضرار بأي طرف إلى واقع ملموس يبث الطمأنينة وينعش الأمل لدى الشعوب الثلاثة من خلال مباديء واضحة وإجراءات محددة والتزامات قاطعة، وزاد «لا شك أن حرصنا جميعاً على تنفيذها لن تقتصر فوائده على دولنا فحسب، لكنه سيقدم أيضاً إلى بقية دول حوض النيل نموذجاً واقعياً ورسالة مباشرة حول جدوى الحوار البناء وضرورته وكيفية الوصول من خلال الحوار للتوافق لتحقيق المكاسب المشتركة، فلا بديل من تفهم كل طرف لدوافع ومنطلقات الآخر ولا مجال للاستئثار من قبل طرف على حساب الآخرين»، وقال السيسي إن الاتفاق يتطلب إكماله إبرام اتفاقية تفصيلية لتنفيذ كافة جوانبه من أجل مزيد من الخطوات العملية على صعيد حل القضايا العالقة المرتبطة بحوض نهر النيل لا سيما فيما يتعلق بالاتفاقية الإطارية لمبادرة حوض النيل، وطالب السيسي بضرورة توافر الإرادة والاستعداد لتنفيذ الاتفاق، وأضاف «بقول لشعوبنا الثلاثة ممكن نوقع اتفاقيات كتيرة ولكن لا الإرادة تكون قوية ولا النوايا تكون طيبة، الإحساس في أي اتفاق هو الاستعداد لتنفيذ هذا الاتفاق ويمكن نكون ما محتاجين نوقع اتفاق لو نحنا اجتمعنا على أن لا يضر بعضنا البعض»، وأشار السيسي إلى أنه أبلغ رئيس الوزراء الأثيوبي ديسالين بأن مصر ليس لديها تحفظ فس أن تقوم أثيوبيا بالتنمية والتطوير لكن شعب مصر يعيش على المياه التي تأتي من النيل، وأقر بأن السنين الماضية شهدت قلقاً وشكوكاً بين الشعوب الثلاثة لكنه أكد بأن قادة الدول قرروا بدء حقبة جديدة من التعاون والمحبة والثقة، وتابع «نحن جينا بكل الحب والإخلاص والأمانة ونوايانا كلها طيبة ونحن متأكدون أن أثيوبيا والسودان على نفس هذا المستوى، نحن ممكن نتعاون ونعمل حاجات عظيمة جداً وممكن نختلف ونقعد نأذي في بعضنا سنين طويلة، نحن اخترنا التعاون والبناء والتنمية، نحن ممكن نتشكك في بعضنا البعض ونتحسب من بعضنا البعض وما نتحرك من مكاننا قيد أنملة، نحن اخترنا نثق في بعض ونطمئن لبعض ونشجع بعضنا البعض على التعاون والبناء والتنمية، نحن لسه لينا استكمال في المفاوضات والبنتكلم فيهو دا اتفاق إطاري وحيستكمل عليه». ٭ استمرار التفاوض رئيس الجمهورية المشير عمر البشير قال إن الخرطوم لها الشرف في احتضان ما وصفه بالتوقيع المهم والعظيم، وشدد البشير على أنهم يتطلعون دوماً لعلاقات طيبة تقوم على أسس الاحترام والثقة المتبادلة للوصول إلى تنمية مستدامة وحقيقية تساعد الشعوب الثلاثة على خلق أرضية ثابتة للنهوض لمصاف الدول المتقدمة وتوفير سبل العيش الكريم والأمن والاستقرار في إقليم وادي النيل، ومضى للقول بأن الحكومة إيماناً منها بحتمية التعاون وترسيخ أواصر الأخوة والمحبة والصداقة بين دول حوض النيل وتحقيق التضامن الأفريقي بين كافة دول القارة، وضعت في مقدمة أهدافها وسياساتها تنمية وتطوير العلاقات الأزلية مع دول حوض النيل والحوض الشرقي على وجه الخصوص، وأشار إلى أنه بالتوقيع اليوم الاتفاقية فإنهم يكونون قد مضوا في خطوات مباركة في طريق إرساء الدعائم الراسخة للتعاون بين الدول الثلاث وتعزيزاً للثقة والترابط والتي تنعكس إيجاباً على توفير الأمن والاستقرار وزيادة التعاون الاقتصادي، وأكد البشير على أنهم يؤمنون بأن التعاون هو السبيل الأوحد للوصول إلى التفاهم والتكامل بين الدول الثلاث، وأنه بدون التعاون ستفقد شعوبهم الفرصة في حياة كريمة، ودعا إلى العمل سوياً لخلق أرضية ممهدة للتعاون وللتأكيد بأن المصالح الوطنية يجب أن لا تأتي خصماً على المصالح الإقليمية المشتركة ومصالح الجوار، وطالب البشير بأن يمتد التعاون في كافة الأنشطة الخاصة مع دول حوض النيل من خلال الوصول إلى تفاهم من خلال مبادرة حوض النيل تفضي في نهايتها إلى اتفاق شامل يجمع كل دول حوض النيل ويدفع عجلة التنمية، مشيراً إلى أن التعاون مع دول حوض النيل يمثل جسراً للترابط والتواصل بين دول الحوض المختلفة، وقال «بإصلاح ودعم وتعزيز هذا التعاون والاتفاق حوله ينصلح حال اقتصادنا وشعوبنا»، وتابع «وبالتوقيع على هذه الاتفاقية نؤكد الالتزام والاستمرار في التفاوض للوصول إلى اتفاقيات تفصيلية لتفصّل ما أٌجْمل في هذه الاتفاقية، كما أننا على ثقة أننا نضمن أن لا تكون في هذه الاتفاقية وفي هذا التعاون ما يضر بمصالح الشعوب في الدول الثلاث وأن نضمن أن يكون التعاون والمنفعة هي الأساس في هذه الاتفاقية». بالمقابل أغلق رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي مريام ديسالين الباب أمام إلحاق سد النهضة للضرر بأي من دول السودان ومصر وأثيوبيا، مشدداً على أن تشييد السد لن يسبب أي ضرر للدول الثلاث وخاصة مصر، واتجه للتأكيد على أن اتفاق إعلان المباديء حول مشروع سد النهضة يستند إلى عدم وجود خاسر، مؤكداً أن الاتفاق سيمهد الطريق ويضع الأساس للتعاون القوي بين الدول الثلاث، وقال ديسالين إن السد لن يحقق المصالح لأثيوبيا فقط وإنما للسودان ومصر، مشدداً على أنهم اختاروا التعاون مع دولتي السودان ومصر لحل العقبات التي تواجههم.