فجعت الأوساط الصحفية في السودان بفقدها أحد أعمدتها، الأستاذ عبدالرحمن أحمدون رحمه الله الذي كان من أميز كتاب الرأي وأبرز المتميزين في التحقيقات الميدانية.. أما أنا فقد كان نصيبي من الفاجعة أكبر لأن أحمدون هو من رسم لي خارطة العمل الصحفي وأخذ بيدي في مهنة المتاعب التي أتعبته وأداها بكل مهنية وحياد ونزاهة، عندما أتيت إلى صحيفة ألوان متدرباً، ولم يهتم بي من هم أقدم مني في المجال، فوجدت أمامي الإنسان الجميل والأب الحنون عبدالرحمن أحمدون والذي رحب بي وجلعني ضمن جنوده في التحقيقات وفتح مداركي على طرق وأساليب في الصحافة ما وجدتها عند غيره خلال مسيرتي، فهو بحق مدرسة افتخر بأنني كنت أحد طلابها.. أحمدون الذي يعامل الناس بالمساواة ولم يفرق بين موظف ومتدرب في الاحترام، أخلص معنا في التدريب بشكل لم نجده في عالمنا الصحفي اليوم، وعمل على إنضاجنا مهنياً حتى ترصعت ألوان وقتها بموادنا نحن المتدربين، وكم كان حزيناً عندما غادرت الصحيفة التي تدربت فيها دون توظيف إلى صحيفة الوطن، والتي بفضل الله ثم بتدريب أحمدون وظفت فيها من أول يوم. عبدالرحمن أحمدون الصحفي الكبير والاسم الرقم، كان يخرج مع المتدرب إلى ميادين التحقيقات ويأخذ معه مصور الجريدة وكأن هذا المتدرب صحفي محترف، وهو ما عزّز الثقة في نفوس المتدربين وحفزهم على تحمل المسؤولية كاملة، وأذكر أول تحقيق خرج معي فيه كان في الخرطومجنوب لمتابعة قضية الذين هُجّروا من منازلهم من السلمة إلى منطقة جنوب عد حسين وأتت جهة قالت إن الأرض التي نقلوا إليها تتبع لها وطالبتهم بالمغادرة.. أول «عيزومة» من زميل كانت من الوالد الراحل أحمدون عبارة عن كوب شاي أمام صحيفة ألوان لتستمر جمائله عليّ بشكل متواصل وهي بالطبع ليست حصرية، وإنما هذا ديدنه مع من يعرفه أو يكون مسؤولاً عنه. إنني أعزي نفسي والوسط الصحفي وأسرته خاصة الزميلة فاطمة بصحيفة آخرلحظة في فقدنا الجلل. ونسأل الله أن يجزيه عنّا خير الجزاء ويجعل قبره غرفة من غرف الجنة ويسكنه مع الشهداء والصديقين.