ملوك كوش:-كانت العلاقة بين مصر والسودان ولم تزل علاقة جوار وإلفة، وكون مصر والسودان ما أسماه بعنخي المملكة المتحدة وهو أول استعمال لهذا الاسم قبل أن تستعمله بريطانيا العظمي، وحكمت مصر السودان وحكم السودان مصر، ولا يمكن أن يسمى هذا أحتلال كلا أنه حركة داخلية داخل وادي النيل الجميل، وحتي عندما حكم ملوك كوش مصر أدرجوا اسمهم ضمن الأسرة الخامسة والعشرين، وعندما حكمت مصر السودان كان حاكم كوش له لقب «ابن فرعون» وعندما حكم السودان مصر عين حاكم كوش نائباً مصرياً له هناك، بل إن حاكم كوش أخذ له لقباً فرعونياً هو «حريحور» وهذا هو لقب أول كاهن مصري تمكن من الوصول للعرش، وكان لهذه التسمية هدف سياسي وديني بعيد، وقد شيد ملوك كوش معابدهم على الطراز المصري وزينوها بالرسوم الفرعونية والنقوش الهيروغليفيه، وعندما كان زعماء مصر يتصارعون من أجل السيادة كان أمراء النوبة يدعمون قوتهم ومركزهم، وينشرون سلطانهم علي الأقاليم المجاورة منتهزين الفرصة المواتية لبسط نفوذهم على أرض مصر ذاتها إن استطاعوا لذلك سبيلا.قائمة الملوك:- تبدأ قصة هذه القائمة بالعالم الألماني ريتشارد لبسيوس R.Lepsius الذي أوفدته حكومة بروسيا على رأس حملة علمية لدراسة آثار مصر والنوبة، هذا العالم وضع وصفاً شاملاً للآثار وسجل نقوشها في أثني عشر جزءاً هي مجلدات ضخمة كان هذا من 1842 1845. وهناك عالم ألماني آخر هو «بروكش» BRUGSCH وهو في نفس وقت ريتشارد، واليه يرجع الفضل في إنشاء مدرسة في مصر لتثقيف المصريين، وتخرج منها أول علماء الآثار المصريين وهو أحمد كمال باشا، وكان لبروكش الفضل عام 1849م وله قاموس في اللغة المصرية القديمة، هذا العالم أقر قائمة لبسيوس، غير أن المقابر التي عثر عليها في بلدة الكرو وفي مدينة نوري صححت الكثير من معلوماتنا عن هؤلاء الملوك. أما القائمة فتبدأ بالملك كشتا (760 751 ق.م.) وبعده يأتي بعنخي (750 716 ق.م.) ثم «شبكا» 716 701 ق.م. وبعدها يأتي شبتاكا (701 690 ق.م.) والذي ذكره نعوم شقير تحت اسم طهراق ثم تهراقا، والذي يكتب ترهاقة في الكتاب المقدس، حيث ذكر مرتين: المرة الأولي عندما جاء ليحارب ملك آشور، حيث سمع عن ترهاقة ملك كوش قولاً قد خرج ليحاربك (ملوك الثاني 9:19)، والمرة الثانية في سفر أشعياء 9:37 ويذكر نفس الموضوع أن رئيس جند آشور عاد لأنه سمع أن ترهاقة ملك كوش قد خرج ليحاربه، وكان بروفيسور عبدالله مصمماً على أن تنطق تهاراقا عند افتتاحية لداخلية بجامعة الخرطوم تحت اسم الملك السوداني «تهراقا» كما ذكر لي بروفيسور عثمان جمال الدين كشاهد عيان، وبعد هؤلاء يأتي تابوت آمون في ذيل القائمة عام 663م ق.م. وإذا كانت القائمة لملوك كوش الذين حكموا مصر والنوبة تبدأ بالملك كشتا، إن هذا الملك استطاع أن يمد سلطانه في مصر حتى طبيبة (الأقفر) وأن يمهد لابنته أمين رادس AMEN RADES لتقلد منصب رئيسة كهنة آمون «المتعبدة الإلهية» بعد وفاة شنويت ابنة اوسركون الثالث الذي كانت تتولى هذا المنصب، ولقد وجدت عدة آثار للملك كشتا مع ابنته امزدسأما الملك بعنخي فهو من أعظم ملوك النوبة الذين حكموا مصر باللباقة والدبلوماسية والتدين، وكان يعرف كيف يرفع معنويات جنوده مستفيداً بأقوال الشعراء مثل الشاعر العبراني أشعياء، والشعر العربي الذي يملأ صفحات سفر أيوب فلقد كان شاعراً عربياً، وكان أصدقاء الأربعة شعراء أيضاً. لقد كان بعنخي أقوى أمراء بلاد النوبة، وكان أهل مصر يستقبلونه مرحبين به فاتحاً متديناً يحترم آلهتهم ويذهب أول ما يذهب إلى معبد إله المنطقة ويقدم له الاحترام اللائق وينظف بناء المعبد ويقوم بتوسيعه لو دعى الداعي. وقد عثر الأستاذ ريزنر على قبره في جبانة « اكلورو» كما عثر في جبل «بركل» على لوحة ضخمة دون فيها بعنجي انتصاراته على ملوك مصر السفلى والوسطى، وقد دون بعنجي اسمه في خرطوش ملكي وأخذ لنفسه لقب ملك الشمال والجنوب، كما أن زوجته كينست KENESAT كان لها لقب الملكات المصريات كما يقول بدج BUDGE في كتابة السودان المصري. أما رحلة بعنخي نحو مصر فهي منقوشة على شاهد من الجرانيت ارتفاعه خمسة أقدام وعشر بوصات، وعرضه ستة أقدام، وقد نصب في جبل البركل، والنقوش موجودة على جهات الشاهد الأربع، وقد وجد هذا الشاهد بواسطة ضابط مصري في عهد سعيد باشا سنة 1862، وعدد سطور النص تسعة وخمسون سطراً وقد ترجمه «بودج» في كتابه الذي ذكرناه، ولم تزل آثارنا القديمة تحتاج إلى دراسات حديثة وجادة توقفنا على أمجاد الأباء الأوائل.