٭٭ في ركن قصي من سرداق تلقي العزاء في فقيد الحياة الثقافية السودانية والعربية والأفريقية، الأستاذ الشاعر محمد مفتاح الفيتوري، جلست «آخر لحظة» إلى نجله تاج الدين ودخلت معه في دردشة خفيفة حول بعض جوانب فقيدنا الكبير، وهي الحياة العريضة الذاخرة بالفكر والإبداع وجلائل الأعمال الإنسانية. ٭ أولاً حدثنا عن الشاعر محمد مفتاح الفيتوري كوالد؟ - سرح تاج الدين طويلاً ثم أجاب: رغم أنني أنتسب للفيتوري كابن إلا أن علاقتي به منذ أن وعيت الدنيا ما وجدت إلا أنه بمثابة الأستاذ بالنسبة لي وليس والدي، وذلك في كافة مناحي الحياة. ٭ ماذا تعلمت منه؟ - تعلمت الكثير، كنت رفيق له في طفولتي ويفاعتي وشيبتي، كنت أحفظ قصائده وأرددها في المدارس المختلفة التي نهلت منها علومي الأكاديمية، وأحتفظ بقصائده الشعرية التي طبعت والتي لم تطبع، علمني الفيتوري قيادة السيارة في صغري ونحن بالقاهرة، تجولت معه في عدد من عواصم العالم العربي والأفريقي مصر، ليبيا، السعودية، لبنان، وكان يعجبني خطه الممتلئ بالحيوية. ٭ ماذا في ذاكراتك من رحلت كنت ترافقه فيها؟ - الذاكرة تختزن الكثير، فقد التقيت برفقته بأفذاذ العالم مشاهيرهم، إلتقيت بفيرزو، الأخوين الرحباني، آل الجميل، آل الموسوي، كل فصائل المقاومة الفلسطينية وأحرار العروبة وذلك في لبنان، وفي مصر إلتقيت معه بالسيدة أم كلثوم، طه حسين، نجيب محفوظ وكثيرين لا أتذكرهم، ولكن تصاويرهم مازالت ماثلة في ذهني. ٭ ما هو آخر ما كتب؟ - آخر ما كتب مجموعة شعرية بعنوان « عريان يرقص في الشمس» ومسرحية اسمها «الشاعر واللعبة» وهناك «أيام يوسف إبن تاشفين» يوثق فيها لهذا القائد العظيم في المغرب الحسني. ٭ هل كانت للفيتوري وصية محددة؟ - كانت وصيته المعلنة على الملأ والموثقة لدى العديد من عدول وأفراد الشعب السوداني وأصدقاؤه بأن يدفن جوار البروفيسور عبد الله الطيب المجذوب بحلة حمد الناصية الشمالية. ٭ ماذا كان يقول عن السودان وهو في بلاد الغربة؟ - كان يقول إن السودان أعطاني مخزوني الشعري، وأن فضل الشعب السوداني على الأمم كفضل قريش على العرب، كان يعشق السودان وقصيدته في «زمن الغربة» تجيب عن السؤال. ٭ كيف وصلت هذه القصيدة للفنان محمد وردي؟ - أرسلها لنا الوالد الفيتوري مسجلة بصوته من ليبيا، وأذكر حملت التسجيل بعد أن طبعت منه نسخة مازلت أحتفظ بها، وذهبنا به بمعية الوالدة الفضلى آسيا وشخصين لا أتذكرهما إلى الفنان محمد وردي بمنزله بالكلاكلة وسلمناه القصيدة. ٭ نعلم أن لوالدتكم الفضلى أدوراً عظيمة في حياة والدكم الفيتوري، حدثنا عن بعضها؟ - الوالدة آسيا محمد توم الكتيابي، رائدة المسرح السوداني، وأول من درس علم المسرح بأكاديمية الفنون المسرحية بقاهرة المعز، وكانت الأولى على دفعتها التي ضمت معها أحمد زكي، سيد بدير ، أشرف عبد الغفور، عفاف شعيب وشهيرة. الوالدة هي شريكة حياة الوالد الفيتوري في نضاله وشاعريته وأشار هو لذلك في برنامج «نصف القمر» بقناة النيل الأزرق، مقراً ومعترفاً على الملأ بأنها كانت نعم الزوج والأخت والرفيقة والصديقة. ٭ ما هو الشيء الذي لا يعرفه الناس عن الفيتوري؟ - كان قارئاً نهماً بحكم مكتبة والده بالإسكندرية، والذي لا يعرفه الناس أن جدنا الشيخ مفتاح الفيتوري كان يود من ابنه محمد الفيتوري أن يكون قارئاً للقرآن الكريم مثل أبو العينين شعيشع والطبلاوي وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود خليل الحصري، إلا أنه إتجه إلى الحياة الفكرية والأدبية في مصر مع أخيه وشقيق روحه المغفور له الشاعر محي الدين فارس، والذي لا يعرفه الناس أن الفيتوري ومحي الدين فارس أخوين بالرضاعة بحكم تجاور أسرتيهما. ٭ أنتم كأسرة.. ماذا فاعلون تجاه الإرث الإبداعي والإنساني الضخم لفقيدنا الكبير؟ - نحن وبالتنسيق مع الجهات الرسمية سنؤسس لمؤسسة الفيتوري الثقافية لجمع كل وثائقه ومخطوطاته ومكتبته ومتعلقاته بالداخل والخارج حتى تكون متاحة للجميع وللأجيال القادمة، وللفيتوري مكتبة ضخمة تحوي عشرات الآف من الكتب، إرث مشترك بينه وسيدة المسرح السوداني آسيا أم إيهاب وهي تحوي نفائس ما جادت به أقلام وإبداعات التراث الثقافي العربي والعالمي في الفن والشعر والمسرح، وكل ما له علاقة بالفكر الإنساني، ناهيك عن المكتبة الدينية التي تحوي كافة مؤلفات الحضارة الإسلامية من كل المذاهب الدينية. ٭ الأخ تاج الدين، هل من كلمة أخيرة نختم بها هذا اللقاء والذي لن ينتهي بالطبع ونحن نتحدث عن سيرة إنسان بقامة محمد مفتاح الفيتوري؟ - كلمتي أتوجه فيها بالشكر لسعادة المشير عبد الرحمن سوار الدهب الذي أمّ المصلين في صلاة الغائب، والشكر للسيد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن ولوزير الثقافة الأستاذ الطيب حسن بدوي والأستاذ عبد الباسط عبد الماجد والسلطان سعد الدين بحر الدين والسيد محمد إبراهيم رئيس شورى المساليت والوزير تاج الدين نيام، ولقادة الشرطة ولإتحاد الصحفيين، ولكل ماجدات السودان من دارفور وكردفان وكل ولايات السودان، والشكر لكم في «آخر لحظة» ولمن فاتني ذكرهم العتبى حتى يرضوا.