لم تتفق المدرسة التاريخية السودانية بعد على تقسيم أو تحقيب التاريخ السوداني- ربما لغياب الجمعية التاريخية السودانية الفاعل عن الساحة - كما لم تتفق على الأسماء التي أطلقت على تلك الحقب وبخاصة في تاريخنا القديم، فيرمز على بعض حقبه بالحروف أ ، ج ويطلق عليه أحياناً «الكوشي» وأحياناً أخرى «المروي» وأخرى «النوبي»، ويطلق على الفترة التالية لذلك «التاريخ الوسيط» الذي يمتد حتى القرن التاسع عشر الميلادي، ويبدأ تاريخنا الحديث كما يرى البعض بغزو محمد علي للسودان عام 1820م، فحداثتنا تبدأ بالغزو الأجنبي، ويرى بعض المثقفين أن تاريخنا الحديث يبدأ بتكوين مؤتمر الخريجين عام 1938م. وأرى أنه من المفيد الرجوع بإيجاز شديد إلى أسس أو أصول هذا التقسيم العام للتاريخ إلى قديم ووسيط وحديث، هذا التقسيم ظهر في أوربا، إذ رأى الأوربيون أن سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي أدى إلى انطفاء نور العلم والمعرفة ودخلت أوربا في عصر ظلام تحت سيطرة الإقطاع والكنيسة، ثم بدأت مرحلة جديدة في أوربا في عصر النهضة، وهكذا ظهرت معالم ثلاث فترات متميزة في تاريخ أوربا: عصر ازدهار الحضارة ثم الانحطاط ثم النهضة، فأصبحت حقب التاريخ قديم ووسيط وحديث، التاريخ القديم انتهى بسقوط الإمبراطورية الرومانية، والتاريخ الحديث بدأ في القرن الخامس عشر، وما بينهما العصر الوسيط المظلم، فالعصر الوسيط أو العصور الوسطى في أوربا ترمز إلى الظلام بانطفاء نور حضارة الإمبراطورية الرومانية. فتقسيم التاريخ إلى حقب يجعل كل مرحلة واقعة تحت تأثير سياسي أو حضاري معين حقبة مستقلة ما دام ذلك التأثير لا تزال آثارة توجه مجريات الأحداث، فأوربا لا تزال تعيش نتائج التغيرات التي حدثت بعد انهيار نظام الإقطاع وإبعاد الدين من حياة الناس الدنيوية، وأطلقوا علية فترة التاريخ الحديث وقسموه إلى أقسام مثل: عصر النهضة وعصر التنوير وما بعد الحديث. وفيما يتعلق بحقب تاريخنا السوداني جعْلت نهاية تاريخنا القديم في القرن الرابع بانهيار مروي يبدو منطقياً، ولكن ينبغي أن لا نستخدم الحروف للرجوع إلى بعض حقب تاريخنا القديم، وأرى أن فترة ما بعد التاريخ القديم تحتاج إلى مراجعة واقترح التقسيم الآتي لتاريخ السودان: فترة الثقافات المبكرة قبل نهاية الألف الرابع قبل الميلاد. فترة دولتي تاستي وكوش من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي. فترة الممالك المسيحية 6 - 15م. فترة التاريخ الحديث تبدأ بالقرن 15م. فترة الثقافات المبكرة قبل الألف الرابع قبل الميلاد. وتشمل هذه الفترة الثقافات المبكرة على حوض النيل الأوسط وروافده الجارية والموسمية والأودية، والنيل الأوسط أقصد به النيل بين منطقة الخرطوم الحالية جنوباً وحتى منطقة الأقصر شمالاً، لأن مناطق النيل جنوبالخرطوم ومناطق الدلتا في مصر لم تكن صالحة بصورة كاملة للاستقرار قبل قيام حضارة وادي النيل. فإقليم السدود على النيل الأبيض كان يمتد حتى منطقة الخرطوم، كما كانت دلتا النيل في مصر تمتد إلى الجنوب كثيراً من مكانها الحالي، وقد رأى بعض الجغرافيين امتداد مدلول «النيل الأوسط» شمالاً حتى أسوان «نهر النيل حمد عوض محمد القاهرة.. الهيئة المصرية العامة للكتاب 2009 ص «37» يبدو هذا التحديد مقبولاً من ناحية طبيعة النهر، ولكن من حيث السكان فإن الحدود - كما سنلاحظ ذلك - تمتد إلى الشمال من أسوان، وما نود الإشارة إليه هنا هو أن الحدود بين السودان ومصر كانت دائماً في منطقة أسوان، ولذلك عندما نتحدث عن السودان في الحقب التاريخية المتتالية منذ القدم وحتى نهاية القرن التاسع عشر، نتحدث عن السودان بحدوده التي تمتد شمالاً حتى منطقة أسوان. ففترة الثقافات المبكرة في تاريخنا امتدت على النيل الأوسط وروافده، وينبغي ضرورة ملاحظة الروابط الطبيعية بين النيل والمناطق الواقعة إلى الغرب وإلى الشرق منه عبر الأنهار والأودية مثل نهر عطبرة وروافده والنيل الأزرق وروافده وأودية القاش وبركة وهَوَر والملك والمقدم إلى جانب الصحراء الواحات المنتشرة غربي النيل، فتفاعل السكان شرقاً وغرباً مع النيل أدى إلى التواصل والربط بين الثقافات المبكرة التي قامت في المنطقة قبل نهاية الألف الرابع قبل الميلاد مثل ثقافات وادي هور والخرطوم المبكرة والشهناب ومكوار، وقد ساهمت كلها في قيام الحضارة السودانية القديمة، وامتد ذلك التفاعل بين النيل والصحراء حتى اليوم، وأرى أن مصطلح النيل والصحراء أعم وأشمل وألصق دلالة من مصطلح الغابة والصحراء. فترة دولتي تاستي وكوش من الألف الرابع قبل الميلاد وحتى القرن الرابع الميلادي حضارة ما قبل قسطل في الألف الرابع قبل الميلاد، وهي الحضارة التي اصطلح على تسميتها بحضارة «المجموعة أ» أو بحضارة «النوبة المبكرة» واستخدام اسم النوبة هنا يؤدي إلى اللبس لأن اسم النوبة ظهر لأول مرة بعد نحو ثلاثة آلاف سنة من هذا التاريخ في منطقة شمال كردفان ودارفور الحاليتين، أي ظهر في منطقة بعيدة كل البعد عن منطقة حلفا. مملكة تاستي التي يرجع قيامها إلى نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، ووجدت آثارها في منطقة قسطل شمال وادي حلفا وفي جنوبها أيضاً مملكة كوش الأولى التي كانت عاصمتها كرمة والتي امتد حكمها بين القرنين 25- 16ق.م مملكة كوش الثانية «نبتة ومروي»، «8 ق.م - 4م»، ملاحظة امتداد الحدود شرقاً وغرباً والتواصل والارتباط السكاني والحضاري بين كوش الأولى والثانية. فترة ممالك البجة والممالك المسيحية بين القرنين 6 - 15م توفرت أغلب المعلومات عن هذه الممالك بعد اعتناقها المسيحية في القرن السادس الميلادي، مملكتا البليميين «بجة» 1- .. مملكة البليميين جنوبأسوان داخل مملكة مروي حتى القرن4م، ثم مستقلة حتى القرن 6م، انتقلت شرق حلفا بعد هزيمتها من مملكة نوباديا، واعتنقت المسيحية، لم يتحدد بعد تاريخ نهايتها. 2- مملكة البليميين شمال أسوان في إقليم طيبة من القرن 3م، امتداد نفوذها شرقاً حتى ساحل البحر الأحمر، ويبدو أنها حكمها انتهى بدخول المسلمين مصر. مملكة نوباديا المسيحية وعاصمتها فرس 6 - 7م مملكة المقرة المسيحية وعاصمتها دنقلا 6 - بعد القرن 13م. مملكة علوة المسيحية «مملكة العنج» وعاصمتها سوبا 6 - 15م. مملكة البليميين المسيحية شرق حلفا. مملكة الزنافجة البجاوية «معتقدات محلية» 6 - 9م. ممالك البجة الأخرى «معتقدات محلية» بين القرن 3- 9 ه 9- 15م وهي مملكة الحداربة«نقيس»، ومملكة بازين ومملكة جارين ومملكة قطعة مملكة دوتاو المسيحية شمال حلفا 12 - 15م. فترة التاريخ الحديث تبدأ بالقرن 15م أرى - وهو رأي بعض الباحثين أيضاً - أن تاريخنا الحديث بدأ بدخول الإسلام وقيام الممالك الإسلامية، فدخول الإسلام وقيام الممالك الإسلامية أدى إلى تحول كبير في أوضاع البلاد الدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا زلنا نعيش تحت ظلها، ولا تزال توجه مسيرة حياتنا، ولذلك فإن قيام الممالك الإسلامية يمثل مرحلة تاريخية متميزة تبدأ بها فترة تاريخنا الحديث، وكانت أوقات ظهور تلك الممالك متفاوتة لكنها متقاربة في أغلبها، وينقسم تاريخنا الحديث إلى: 1- فترة الممالك الإسلامية: مملكة الدُّجن أو تفلين الإسلامية في منطقة كسلا الحالية أول ذكر لها في القرن10م وحتى القرن 18م. مملكة الخاسة الإسلامية في سواكن ورد ذكرها في القرن. مملكة دارفور بين القرنين 13 - 19م. مملكة سنار بين القرنين 16 - 19م. مملكة تقلي بين القرنين 16 - 19م. مملكة المسبعات بين القرنين 16 - 17م. 2- الحكم التركي العثماني: في شمال وشرق السودان في القرن 16م، باقي أنحاء السودان في القرن 19م. 3- الثورة المهدية 1881 - 8981م 4 - الحكم الثنائي التركي البريطاني 8981 - 1956م. 5- ما بعد الاستقلال هنالك عدد من الممالك والمشيخات في عصر مملكتي دارفور وسنار لم نتعرض لها، وكذلك لم نتعرض للاحتلال العثماني لبعض مناطق شمال وشرق السودان. ٭ رئيس المجلس الاستشاري لمركز بناء الأمة للبحوث والدراسات