٭ بعض ساستنا الأماجد، ومنهم الدكتور حسن الترابي، درجوا على اجتراح العبارات ونحت المصطلحات كلما وقعوا في المطبات أو إنحسر عنهم التأييد الشعبي أو غُمّ عليهم ولم يستبينوا المخارج.. والأمثلة في تاريخنا السياسي المعاصر لهكذا حالة.. حالة التعويض بالألفاظ العويصة، وغير المفهومة لغمار الناس .. بالرغم من أن هؤلاء الناس هم المعنيون بالقرار، أو هم موضوع الفعل السياسي الذي أختار القادة أن يعبروا عنه بتلك العبارات المعظلة.. وعبارة «التوالي السياسي» الصادرة عن الشيخ الفاضل الترابي خير مثال على هذا «التنطع اللغوي» عندما عمل على إدراجها في دستور «الإنقاذ» الأول لتقنين قيام أحزاب جديدة وإلحاقها بالنظام، لإضفاء «مسحة ديمقراطية» كانت من مطلوبات انفتاح محسوب ومرغوب لأسباب خارجية. ٭ خلال الشهور القليلة الماضية حلقت في سماء السياسة السودانية «عبارة شراعية» جديدة صادرة من ذات المصدر والمرجع .. الفقيه الشيخ الترابي .. جديدة في مبناها قديمة في معناها.. هي «النظام الخالف» .. مفردة «النظام» تعطي القارئ أو المستمع إحساساً خادعاً بأنه بإزاء «نظام جديد» غير النظام القائم و»الخالف» تعزز هذا الانطباع المخاتل .. وقد استسلم بالفعل لمثل هذا الإحساس أو الانطباع بعض الكتاب الذين أخذوا يبشرون بمضمون العبارة و»عبقرية الاختراع» .. لا ندري لغفلة غشيتهم أم لتعاطف مسبق مع كل ما يصدر عن الشيخ دون تدقيق أو تمحيص. ٭ كانت بعض الصحف قد نشرت أخيراً، بما فيها هذه الصحيفة خبراً - على صفحتها الثالثة - تحت عنوان: الشعبي «النظام الخالف» يقلل من التشاكس .. يقول الخبر: أكد المؤتمر الشعبي أن النظام الخالف الذي طرحه الأمين العام للحزب د. حسن الترابي يدعو «لاندماج» الأحزاب والتنظيمات ذات الخلفيات المشتركة في «كيان واحد» يعبر عن قضاياهم المشروعة.. وقالت أمينة المرأة بالحزب د. سهير أحمد صلاح: إن النظام الخالف سيتصدى لحل أزمات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بمشاركة الجميع، مؤكدة أن «النظام» يهدف لتوحيد أهل السودان برؤية جديدة لتلافي الممارسة السياسية السالبة بالبلاد .. وزادت : «يمكن تغيير اسم ً«المؤتمر الشعبي» إذا اتفقنا على هذا التحالف والائتلاف. وندعو «كافة القوى السياسية» للوحدة والإندماج.. وأكدت سهير أن «النظام الخالف» هو مشروع مستقبلي يؤسس لمرحلة جديدة للتعامل مع قضايا البلاد بشكل ممنهج وسليم يقلل من التشاكسات ويتيح ممارسة ديمقراطية «حقيقية وشفافة» وإذا انتقلنا من «المبنى» الذي نوهنا لجدته من حيث العبارة أي «الشكل» إلى «المعنى» الذي أفاضت السيدة الفضلى د. سهير بالإسهاب في شرح أبعاده نجد أننا نراوح في ذات المربع القديم مربع « التوالي السياسي» الذي ضمَّنه د. الترابي دستور 1998، أي أن تنشأ أحزاب متوالية.. توالي «المشروع الحضاري» الذي كان مطروحاً وقتذاك ولايزال.. فالنظام الخالف كما تقول يدعو «لاندماج الأحزاب والتنظيمات المشتركة في كيان واحد».. تماماً كما حدث قبل ذلك، عندما أسس الترابي مشروع «جبهة الميثاق الإسلامي» التي جمعت إلى جانب «الإخوان» السلفيين وبعض الطرق الصوفية.. نفس الائتلاف الذي عبر عن نفسه بقوة أكبر بعد انتفاضة مارس/ أبريل 1985م في «الجبهة القومية الإسلامية».. لتنتهي إلى الانقلاب وقيام «نظام خالف» آخر يرث النظام الديمقراطي المفتوح فسمى ب «الانقاذ». ٭ لكن أغرب ما في الدعوة الجديدة /القديمة هو مناشدة «كافة القوى السياسية للوحدة والإندماج».. في مشروع مستقبلي «يتيح ممارسة ديمقراطية حقيقية وشفافة».. كيف؟! لا أدري ولم أسمع من قبل ب «ديمقراطية» حقيقية بلا أحزاب سياسية ذات برامج متنافسة!. ٭ مختصر القول: هي محاولة تسلل جديدة مكشوفة ومفضوحة وعلى الحكم ورجال الخط أن يتابعوها بإحكام، قبل أن ينتهي الشيخ إلى إحراز الهدف و»توزيع المصاحف على الجميع» ويطلب منهم الانصراف مع صالح الدعاء!