ü الاشتباكات المتجددة بين القبائل الجنوبية في ولايات معينة تفرز يوميا آثاراً سيئة ومخاطر سياسية جسيمة، وتخلق عدم استقرار سياسي في المناطق المعينة، مما يدمر البنيات التحتية البسيطة الموجودة، هذا عدا الخسائر في الأرواح والثروة الحيوانية والممتلكات التي تعد أهم مكونات الثقافة الجنوبية، ففي كل المناطق التي نشبت فيها الصراعات القبلية مثلاً في منطقة «يامبيو» بين قبيلة المورليه وقبيلة اللاونوير، خلفت خسائر كبيرة وفقدت أرواح من الجانبين، والسؤال هنا: لمصلحة من هذا؟.. وهنالك القتال الدائر الآن مع الفريق أطور في ولاية جونقلي واحتلاله لجزء منها، و عجزت الحكومة عن فك حصارالمنطقة، بل فشلت في إقناع الفريق أطور للتفاوض والحوار معها، مما يجعل حكومة الجنوب في موقف صعب أمام الرأي العام الجنوبي والإقليمي والعالمي، كما أن غارات جيش الرب على الحدود الجنوبية اليوغندية تزيد الموقف تعقيداً لحكومة الجنوب.. كل هذه المواقف تجعل الجميع في حيرة من أمرهم.. فكيف، وفي أوساط هذه المواقف الصعبة، يتحمس دعاة الانفصال لخلق دولة وليدة ينقصها الاستقرارالسياسي واستتباب الأمن والأمان. ü إن إخفاق حكومة الجنوب في تعزيز الأمن والأمان وتوفير الحماية للمواطن وممتلكاته ومنشآت الدولة والثروة القومية، يشكل علامة بارزة إذ أن الانفصال سيواجه بتحديات جسام إذا أصر الرأي العام الجنوبي على التصويت لصالح الانفصال في غمرة الحماس لتكوين دولة خالصة للجنوب، دون الأخذ في الاعتبار الروابط الأزلية وروابط المصاهرة مع الشمال والتي امتدت لسنوات طوال، والتداعيات الأخرى من غياب مقومات أساسية لقيام دولة. ü صحيح أن تاريخ العلاقة بين الشمال والجنوب شهد أحداثاً دامية واشتباكات استمرت لسنوات عديدة.. لكن المتابع لهذه الأحداث يجد أنها جاءت نتيجة الطموحات والنظرة الضعيفة للسياسيين، سواء كانوا شماليين أو جنوبيين، أما من ناحية الجنوبيين فقد كان الهدف الأساسي منها إزالة المفهوم الخاطئ لشعورهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية ولانتزاع حقوقهم، ولابد من النضال لنيل حقوقهم المتمثلة في المساواة في الحقوق والواجبات.. أما في الجانب الشمالي فقد كان الجنوب ورقة سياسية تتلاعب بها حكومات الأحزاب للاستفادة منها في تدعيم موقفها تحت قبة البرلمان، علماً بأن الأحزاب في حكوماتها المختلفة لم يقدموا أي خدمات للجنوب ولم يفكروا قط في تنميته أو إرساء خدمات ضرورية للمواطن الجنوبي. ü لن نذيع سراً إذا قلنا إن القبلية هي القوة المؤثرة في حكم الجنوب، وإن تأثيرها له وزن في الاستقرار السياسي والانسياب الأمني.. فهي في الجانب الآخر قوة كامنة وتعتبر موازية لسلطة حكومة الجنوب، بدليل أن الوزن القبلي يلعب دوراً فعالاً للتصدي للحكومة، لذا فإقرار السلام والأمن في أي منطقة بالجنوب مرهون بالتعاون والتنسيق التام بين نفوذ القبيلة وسلطة الحكومة، وبدون ذلك لا تستطيع أي حكومة بالجنوب بسط نفوذها أو إبراز هيبتها في أي مجتمع تحكمه القبيلة بوزنها وسلطاتها. ü نفوذ القبيلة سمة أصيلة في المجتمعات الجنوبية، ووزن القبيلة يحدده الوضع الاقتصادي، وهذه السمة مرجعيتها الثروة التي تمتلكها القبيلة وعددية رجالها وأفرادها المتمثلة في فروع وبطون القبيلة.. ثروة القبيلة هي رجالها وأعداد الماشية- عاملان يحددان مكانة القبيلة السياسية والاجتماعية ووزنها بين القبائل الأخرى- والجنوب كمجتمع تقليدي يلعب فيه عدد الأبناء وعدد الزوجات عاملاً أساسياً في تحديد وضعية القبيلة بين القبائل الأخرى، بأنها تمتلك القوة والهيبة في التصدي لأي غارات من قبائل أخرى. ü عموماً نقول إنه بدون تمتين العلاقة بين النفوذ القبلي والسلطة الرسمية الحاكمة بالجنوب، سيستمر القتال ثانية وتنفجر من حين إلى آخر اشتباكات قبلية وعشائرية تطيح بالاستقرار الأمني والسياسي وتعطل حركة الحياة ويتأذى منها المواطن الجنوبي.. فالقتال يؤدي إلى فقدان أعداد كبيرة من الأرواح والممتلكات وتخريب كامل للبيئة والبنية التحتية البسيطة الموجودة.. لذا لماذا لا يتفادى القائمون بالأمر في الجنوب كل هذه الآثار السلبية التي تؤدي إلى تعطيل التنمية، وتعرض المواطن الجنوبي للثالوث الخطير الفقر والمرض والجهل.. فهل فكر المسؤولون في الحكومة الجديدة في صيغة تنسيق حسب متطلبات الوضع الراهن بين السلطة الحاكمة وزعماء القبائل من أجل مصلحة المواطن الجنوبي؟، وإذا كانت الإجابة بنعم معنى ذلك أن باب التنمية سينفتح بمصراعيه للسير في طريق الوحدة الطوعية.