في الأسابيع المنصرمة ارتفع تروميتر الحرارة الى أقصى درجة.. ويكاد يصل الى درجة الغليان.. ولكن فجأة وبعد أن بدأ عدد من العقول الجنوبية تقيم الموقف وتميز بين الوحدة التي تجلب التنمية للجنوب.. والانفصال الذي يأتي بتداعيات حتماً ستؤدي الى تأخير عملية التغيير والانتقال الى الأحسن بالجنوب.. هنا بدأ تروميتر الحرارة يتراجع تدريجياً ليقل بدرجة ملحوظة الاتجاه نحو الانفصال. متطلبات الانفصال وإفرازاته السلبية التي لن يرتضيها الإنسان الجنوبي بعد الانفصال.. صعوبة تحقيق المتطلبات سيعوق مسار الدولة حديثة الولادة وسيعود الجنود الى المربع رقم واحد.. ولن تستطيع أي قوة خارجية مهما بلغت من نفوذ وسلطة وهيمنة، أن تتصدى الى الفوضى العارمة التي سيشهدها المجتمع الجنوبي.. ولن تستطيع أن تلغي بجرة قلم العلاقات المتينة التي تربط بين الشمال والجنوب التي ظلت منذ نشأة دولة السودان الموحد قوية ومتينة بالرغم من المطبات السياسية ونظريات المؤامرة التي يحيكها السياسيون هنا وهناك من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.. ليظلوا تحت دائرة الضوء السياسي. الواقع المعاش الآن يقول لا مفر من الوحدة التي ستقود الى تنمية الجنوب وازدهاره.. فانطلاقة عجلة التنمية سوف تبدأ من الاستفتاء.. باعتبار أن الفترة الماضية منذ اتفاقية نيفاشا هي مرحلة تحضيرية وتقييم للأمور وتحسس مواقع الأزمات وتربية كوادر جنوبية وإعدادها للبناء والتعمير.. وبعد الاستفتاء ستدق ساعة العمل والإقبال على عملية التنمية والتغيير.. وحتماً لن تبدأ المرحلة في ظل الانقسام والانفصال.. ولكن تفعيلها سيكون عبر الوحدة والوئام والتوأمة المستدامة بين الجنوب والشمال.. وبالرغم من أن غلاة الانفصال لم يفلحوا حتى الآن في عملية غسيل المخ لرجل الشارع الجنوبي.. فهم في نظر المهتمين بالشأن الجنوبي يرقصون خارج حلبة المصلحة الجنوبية. سؤال مهم نوجهه للقطاعات المختلفة للرأي العام الجنوبي.. ما هي الفائدة المرجوة من الانفصال في ظل الوضع الراهن بالجنوب.. وخاصة أن معالم التنمية والتغيير مطروحة ولم تتحقق بعد حتى بعد مضي خمس سنوات من اتفاق نيفاشا؟.. والسؤال الأول يعقبه سؤال آخر: ماذا فعل السياسيون الجنوبيون للإنسان الجنوبي حتى الآن، لتغيير أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتغيير نمط حياته؟.. سؤال ثالث ما هي مجهودات متخذي القرار الجنوبي حيال ما يحدث الآن من اشتباكات قبلية وغارات في مناطق التماس. الآن يشهد الجنوب قتالاً ضارياً في مناطق معينة من ولاية أعالي النيل وجونقلي وشرق الاستوائية من عدائيات بين القبائل.. ما هي مجهودات المسؤولين الجنوبيين في إخماد هذه البؤر الملتهبة وإعادة الاستقرار والسلم في المناطق الساخنة بالجنوب.. لكن الواقع يقول إن الحكومة بالجنوب تقف عاجزة عن التصدي لطغيان القبلية التي باتت البعبع الذي يخيف أي سلطة حكومية بالجنوب. عموماً نقول إنه مهما علت أصوات دعاة الانفصال لن يكون أمامهم إلا الإذعان أخيراً لصوت الحكمة والضمير، لأن الجنوب لا زال يحتاج الى سنوات طوال بعد تحقيق التنمية ليكون مؤهلاً لتكوين دولته المرتقبة، لكن الآن فإن طموحات السياسيين الجنوبيين الشخصية تدفعهم الى اتجاه تكوين دولة بصرف النظر عن احتياجات الإنسان الجنوبي الذي يحتاج وبصورة عاجلة للتنمية والتغيير، والتي لن تأتي إلا في ظل الوحدة والعيش تحت مظلة السودان الواحد الموحد. لكن طموحات السياسيين الشخصية وإغفالهم حقوق المواطن الجنوبي لن يعود على الجنوب إلا بمزيد من الفقر والتخلف وحبس المواطن الجنوبي في مجتمع بدائي وتقليدي بعيداً عن الحضارة ومراكز الوعي والتكنولوجيا. مرة اخرى نقول إن الوحدة هي الخيار الأفضل للجنوب والإنسان الجنوبي.. وصراحة القول إنه في حالة تكوين دولة جديدة لن يحكمها الكادر الجنوبي، بل ستكون مرهونة باستشارات خبراء أجانب.. وفي هذه الحالة ستضيع الهوية الجنوبية ولن تكون الدولة الجنوبية.. جنوبية خالصة، بل مستعمرة أجنبية تعمل وفق أجندة لقوى خارجية.. وبذلك يكون الجنوب أول دولة مستعمرة من نوع جديد وكأن القوى الاستعمارية الجديدة ستهيمن على دولة ذات موارد بكر ويعيد التاريخ نفسه استعمار الجزر في أقاصي البحار والمحيطات.. فالوحدة أولاً وأخيراً.