٭ تظل حيثيات التحليل الذي تضمنته هذه الإضاءة التي كتبت قبل أكثر من أسبوعين صحيحة .. بالرغم مما طرأ على موقف حكومة اليمن الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي من تغيير تمثل بقبولها حضور مشاورات جنيف التي رفضتها ابتداءاً .. وذلك استجابة للضغوط التي مارستها بعض القوى الدولية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة على الشرعية اليمنية، خصوصاً بعد لقاء مسقط بين المتمردين الحوثيين وبعض المسؤولين الأمريكيين .. وليس هناك من أمل يرجى من لقاء جنيف إذا لم يلتزم بذات المرجعيات التي كان من المنتظر أن ينعقد تحت لوائها اجتماع الرياض، والمتمثلة في التنفيذ المخلص لقرار مجلس الأمن (2216) ومخرجات الحوار الوطني اليمني والمبادرة الخليجية .. فإلى نص «الإضاءة» التي تأخر نشرها لأكثر من أسبوعين هي فترة حظر الصحيفة : ٭ لا بد من أن دهشة كبيرة قد اعترت كل المراقبين والمحللين السياسيين وحتى جمهرة القراء المهتمين، وهم يرون الأممالمتحدة ممثلة في أمينها العام ومبعوثها الجديد إلى اليمن أسماعيل ولد الشيخ أحمد تمضي في طريق عقد مؤتمر بمقرها في جنيف من أجل تسوية سياسية في اليمن. ٭ مصدر الدهشة والاستغراب هو أن ذات المنظمة ممثلة في أعلى مراقيها - مجلس الأمن الدولي - كانت قد أصدرت منذ نحو شهرين قراراً تحت «الفصل السابع» يحمل الرقم (2216) يطلب من الحوثيين وجماعة الرئيس المخلوع على عبدالله صالح وقف القتال، والانسحاب من المناطق التي احتلوها منذ العشرين من سبتمبر الماضي، وتسليم الأسلحة التي نهبوها من القوات المسلحة، وإعادة مؤسسات الدولة ودواوينها إلى الشرعية اليمنية ممثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائبه خالد بحاح والحكومة، وإطلاق سراح الرهائن المختطفين لديهم وبينهم وزير الدفاع .. تمهيداً لعقد مؤتمر من أجل حل سياسي يضع حداً للأزمة. ٭ القرار (2216) صادر تحت «الفصل السابع» .. وما أدراك ما الفصل السابع .. وهو البند الذي يلزم أطراف النزاع بالتطبيق الفوري والحازم للقرار، ويلزم في الوقت ذاته مجلس الأمن بالعمل على تنفيذ القرار بجميع الوسائل، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة إذا اقتنعت الأطراف المعنية أو ترددت في تطبيق بنود القرار، بحسب ميثاق الأممالمتحدة. ٭ الحوثيون أعلنوا صراحة منذ اليوم الأول عدم اكتراثهم أو اعترافهم بالقرار، برغم أنه صادر بالاجماع، حيث صوت لصالحه أربعة عشر (14) من أعضاء المجلس وامتنع عضو واحد هو المندوب الروسي عن التصويت، وامتناع عضو كروسيا صاحب «فيتو» يعني فيما يعني الموافقة على تمرير القرار .. أما صالح فقد أعلن موافقته على القرار، لكنها «موافقة لفظية» إذ مضى يقاتل بمليشياته مع حلفائه الجدد «الحوثيون» ويقدم لهم ما تكتنز به مستودعاته من أسلحة ثقيلة وذخائر خبأها ل «اليوم الأسود». ٭ ومنذ صدور القرار انصرفت الأممالمتحدة إلى صب جهودها على العون الإنساني، الذي يأتي تمويله وموازنته الرئيسية من «الجيب السعودي»، ولم تبد أي اهتمام بقرار مجلس الأمن، الذي يشكل مفتاح الحل ويخاطب جذور الأزمة اليمنية، ومضى ولد الشيخ كسلفه «جمال بن عمر» - المبعوث المستقيل - يفاوض الحوثيين و»يطبطب» عليهم .. وكأن القرار الدولي لم يكن .. بل ذهب يُحضِّر بنشاط ملحوظ من أجل مؤتمر «للصلح» في جنيف، متجاهلاً مؤتمر الرياض الذي حضرته كل القوى السياسية اليمنية تحت مظلة الشرعية، والذي لم يكن مؤتمراً ل «الحوار» إنما لتنفيذ نتائج الحوارات السابقة التي استغرقت شهوراً وسنيناً .. فمؤتمر الرياض انعقد تحت ثلاث مرجعيات لا سبيل إلى تخطيها إذا ما أريد لليمن السلام والاستقرار هي: مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السابق والقرار الدولي 2216 والمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، بالإضافة إلى «إتفاق السلم والشراكة» الذي خرج عليه الحوثيون ونفذوا انقلابهم في سبتمبر الماضي فحاصروا الرئيس في صنعاء وتوسعوا باحتلال المحافظات والمدن وزحفوا شمالاً حتى لحقوا به في عدن التي فرَّ إليها بعد أن غافلهم، وخرج منها ليحضر مؤتمر القمة العربي في شرم الشيخ. ٭ القرار الدولي - بشكل أو آخر - اعتبر «عاصفة الحزم» التي شنها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بمثابة عمل دولي مطلوب، لأنه كان استجابة لنداء واستغاثة الشرعية اليمنية بدول الجوار العربي المعنية بآثار التطورات المرعبة التي يشهدها اليمن .. وبرغم ذلك لم تعر الأممالمتحدة وأمينها العام ولا مبعوثه ابن الشيخ أي اهتمام يذكر لدعم مؤتمر الرياض المعني بتنفيذ القرار الدولي، بل ذهبت تحضر لمؤتمر آخر بعيداً عن أشراط القرار والتزاماته الصادرة تحت الفصل السابع .. ما يعني أن وراء الأكمة ما وراؤها .. وأن «طبخة» يجري إعدادها في السراديب المظلمة للمنظمة الدولية هدفها الإبقاء على نيران اليمن تحت الرماد .. طبخة مسمومة تصيب أطراف «التحالف العربي» بالغثيان والإنهاك حتى ينهار العزم و»يتبدد الحزم» لتمرير المخطط الكبير، مخطط التقسيم والتقزيم في «شرق أوسط كبير» لا يعرف رأسه من رجليه.