«أباَّي» كما يسميه أهل الحبشة: النيل الأزرق ٭ هناك شك فيما يزعمه البعض من قول يدعو للحيرة وذلك أن نهر «قاش أباي» هو المغذي لبحيرة تانا، هذا حديث مغلوط لأن بحيرة تانا عظيمة الشأن ومساحتها آلاف الأميال المربعة حيث يبلغ حوض الماء فيها خمسة أضعاف مساحتها، كما وأن نهر قاش أباي يعد واحداً من عدة أنهار وروافد لتغذية هذه البحيرة، ولكن نهر أباي هو أكبر الأنهار تغذية لهذه البحيرة والحقيقة تقال، حيث استحدثت حكومة أثيوبيا الفدرالية حديثاً عن حفر ثقوب بهذه البحيرة لزيادة إيرادات نهر أباي عند توقف سقوط الأمطار وذلك من أجل الاستفادة من المياه الوفيرة الراكضة لتوليد الطاقة الكهربية، حيث لا يوجد تيار قوي وهدير للمياه إلا عند هطول الأمطار على أعالي الهضبة، حينها يبدأ هذا النهر رحلته من المخرج عند مدينة بحردار تعترضه الصخور والمنحدرات منحدراً بقوة جبارة تصعب معها الملاحة، حيث يلجأ من يريد تتبعه إلى ركوب الحمير والبغال على ضفتيه متمتعاً بروعة الطبيعة الخلابة الساحرة التي تعتبر خليطاً من أفريقيا الاستوائية وأفريقيا الجبلية التي تكثر بها أشجار الواركه والبلوط والسنط والطلح والبانيان وعرائس النيل والكافور والحراز والجميز والتبلدي الذي يختلف في تكوينه عن ما ينبت في منطقة كردفان، حيث نجد هذه الشجرة التي تتواجد قرب منبع هذا النهر عبارة عن أشجار ضخمة ذات أوراق عريضة كثيفة الظل مورقة طيلة العام، وهذه المنطقة بعيدة عن مرتع التماسيح الكاسرة، وتكثر فيها أنواع كثيرة من الطيور التي تتغذى على الأسماك وأكثرها طير الرهو ناصع البياض بأجنحته السوداء، أضف إلى ذلك القماري والبلوم والزرزور ذو الزرقة اللامعة وأبو منجل والبجع والهدهد وأبوقرن وطائر البلشون والبوم والنسور الجارحة الصيادة، والضفة الشرقية لهذا النهر عبارة عن سلسلة تلال وعرة المسالك، أما الضفة الغربية فهي عبارة عن سهول منبسطة تمتد إلى مسافات طويلة، مع وجود سلسلة من الجبال غريبة الشكل والمنظر تكسو قممها قذائف سوداء من حمم البراكين منذ عهود قديمة. ٭ وعلى بعد 52 ميلاً من هذا المكان يسمع الزائر لهذه المنطقة هدير المياه ودويها، حيث تتكون طبقة من الضباب مكونة قوس قزح بلونه الأحمر والأصفر والأخضر وذلك طيلة سطوع الشمس منذ الشروق وقبل المغيب، مما جعل الإثيوبيون يتخذون ألوان علمهم منه، حيث نجد هناك أكبر شلال بأفريقيا، وأهل أثيوبيا يطلقون عليه «فافاتي» وإذا تمعن المشاهد بأعلى مهبط لهذا النهر سوف يرى مجرى ضيق المساحة تتسابق عليه المياه بسرعة فائقة تتلوى مختفية وسط الصخور الجبلية التي تحيط به من الجانبين، حيث تتراشق هذه المياه مكونة الرزاز الذي تحمله الرياح إلى الهضاب المجاورة لتكسوها حليةً وبهاءً على الأشجار والحشائش مكونة الندى على أوراقها، مما يجعلها رطبة ندية وإذا بقي الزائر بهذه المنطقة لأكثر من خمس دقائق فسرعان ما تبتل ثيابه التي يرتديها دون أن يشعر، حيث تعتبر شلالات «فافاتي» هي نهاية المطاف لهدوء هذا النهر وبداية ثورانه وهيجانه واندفاعه بقوة عنيفة جبارة، مخترقاً هذه الهضبة، ولمسافة تقدر بنحو 114 ميلاً في أنحناء دائري نحو جهة الجنوب، ثم يتم تغير مساره نحو جهة الغرب، وقبل أن يتجه نحو جهة الشمال ينضم إليه من الجهة اليسرى نهر «دايريسا» ثم الشمال وسط سلسلة من الجبال والهضاب والسهول حيث تكثر به التعاريج كلما تقدم بعمق غوره، خصوصاً عند دخوله الأراضي السودانية، وعند فصل هطول الأمطار يزداد فوران وهدير هذا النهر حيث يبلغ إيراده عشرين ضعفاً ممزقاً الصخور الصلبة لدرجة استحالة الصمود على سطحه، مما نتج عن ذلك عدم المجازفة لأي إنسان والدخول في هذا النهر من منبعه وحتى الحدود السودانية، كما أن هناك عدة أنهر تغذي هذا النهر ومنها على سبيل المثال نهر «دابوس» الذي يفصل بين إقليمي «غورافي وجما» كما وهناك نهر موو وشلو واديلا وفي الشمال نجد نهر «مأرب» الذي ينحدر من منطقة «حماسين» ويتجه نحو الشمال الغربي حيث يصب في نهر «أتبرا» الذي يصب في النيل الأزرق عند مدينة الدامر، وكلمة أتبرا مشتق من كلمة «أتبراي» وتعني بلغة التقراي «الهجام» ولنهر «أتبرا» عدة روافد تغذيه ومنها نهر تكازيه الذي ينحدر من مرتفعات «لاسا» ويتصل به نهر «غبا» النابع من مرتفعات إقليم «مغله» أضف إلى ذلك نهر سيتيت وبإسلام ونهر الدندر ونهر الرهد وكلها تصب في نهر أتبرا، وهو سريع الانحدار والجريان ويعود السبب في ذلك سقوطه من جنادل شاهقة الإرتفاع وأهل الحبشة يطلقون عليه «أتبراي» وتعني بلغة التغراي «الهجام» كما سبق وأن ذكرنا ذلك. ٭ نواصل.