في فناء الصحيفة كنت واقفاً أتأمل في اللا شئ!! «العصرية» تبعث على الزهج والملل مع زحمة العمل!! جاءني أحدهم مباشرة من الاستقبال ويبدو أنه وجد الكرسي «خالياً»!! مد لي كرت الدعوة!! وهذه من «الروتينات» عندنا!! اندهشت لمحتوى الدعوة!! وما بين الدهشة والضحكة قلت «لحاملها» ثم ماذا بعد الحريق!! قال لي عن أي حريق تتحدث!! قلت له أنت لا تعرف مضمون ما تحمل إلينا!! رد عليّ «بمنطق» ومتى كان «ساعي البريد» يفتح الرسائل!! فقط طلبوا مني توصيل الخطاب لرئيس تحرير «آخر لحظة»!! قلت له!! أقرأ ما تحمل!! ضحك محدثي كما لم يضحك من قبل!! وقال كلاماً ما معناه!! يعني شنو؟؟ وداير إسوي شنو؟؟!! حريقة فيهم كلهم!! شنو النافع في البلد دي!! ü الأخ الأستاذ مصطفى أبو العزائم رئيس التحرير وببديهته المعروفة طلب منا اولاً معرفة اسم صاحب الحريق!! وهذا ما لم يتضمنه الكرت!! والوصول لصاحبه وقال لي بسرعة هذا خبر أولى!! وواحد من خطوط عدد الجمعة!! ü اتصلنا بتلفون وجدناه في الكرت وكانت على الخط أخت قالت إنها إيناس إبراهيم مدير قاليري بيت الفنون واعطتنا تلفون اسم الفنان الذي قال إنه ينوي إحراق جميع لوحاته «مرة واحدة»!! ü بعد دقائق كان معي على الخط «الفنان» قال إنه في موقف الجريف غرب القديم طلبنا منه الحضور وبعد دقائق أجلسناه مع الزميلة إنصاف عبد الله سألناه الحريق شنو يا زول!! قال إن لوحاته لا تقدر بثمن ومع ذلك قرر إحراقها كلها وسيترك النار تأكل كل إبداعه ولوحاته احتجاجاً على أوضاع السودان وما يسير إليه في اتجاه الهاوية!! حاورناه وناقشناه ولكن أصر على موقفه وأكد أنه يضحي بأغلى ما يملك احتجاجاً على وضع الإنسان السوداني وقال إنه يحمِّل «الساسة» المسؤولية لأنهم أوصلوا البلد لحد الهاوية!! ü هل وصلت الرسالة؟! الفن تعبير إنساني والفنان صاحب خاصية بالإحساس بهموم الوطن!! ü ولكننا إزاء هذا المنطق؟! بأن يحرق كل منا أغلى ما عنده!! ماذا سيبقى لنا؟ سيتحول كل شئ إلى رماد تزروه الرياح؟! وهل إذا أحرقنا كلما عندنا سيتغير شئ في أرض الواقع والراهن الكئيب!! ü سليمان أوصل رسالته!! ولكنها جاءت متأخرة فهناك من سبقه في هذه الخطوة بالحريق!! إنها السياسة والساسة والذين أحرقوا منذ زمن بعيد كل شئ!! أحرقوا كل غالي ونفيس من أجل ذواتهم والكرسي ومصالحهم الشخصية «الضيقة» هذا أوان الحريق الذي يلتهم كل شئ ويتركه هباءً منثوراً .. أحرق. ... يا سليمان!! احرق!!