«الحكم نتيجة الحكمة والعلم نتيجة المعرفة، فمن لا حكمة له لا حكم له، ومن لا معرفة له لا علم له» .. محي الدين بن عربي! ٭ الفقهاء يقولون: - في معرض تفكيكهم لأسهم مستحقي الزكاة - إن سهم الفقراء والمساكين يستحقه كل من كان بحاجة إلى الزواج وهو عاجز عن تكاليفه المعتادة لمثله، وكل طالب علم عاجز عن الجمع بين طلب العلم والتكسب، وكل من لا يجد عملاً يليق بمكانته ومروءته، ويستحقه أيضاً كل العاملين في وظائف لا تكفي مرتباتها وبدلاتها لسد حاجاتهم الضرورية .. وعليه فإن السواد الأعظم في هذا البلد - وفقاً لأحكام الشريعة - تجوز عليهم الزكاة ..! ٭ هنالك مسميات رائجة مثل «ذي السعة» و»المستطيع» نبذلها في أحاديثنا بلا حساب، لكنها في الحقيقة مصطلحات لا يصح إطلاقها إلا على المترفين بمقاييس حال هذا البلد الذي يدخل معظم أهله في قبيل الفقراء والمساكين، وفقاً لذات التصنيف الشرعي ..! ٭ علماء الدين في بلادنا تركوا فراغاً فقهياً عريضاً فيما يتعلق بالحديث عن وجوب الأضحية من عدمه، وتفرغوا تماماً للحديث عن آلية تطبيق الحكم الشرعي .. وفي الوقت الذي تتكفل فيه جهات غير فقهية بمناقشة الأضحية «كعبادة اجتماعية مرتبطة بالمكابرة والمسايرة أكثر من ارتباطها بالنوايا الدينية»، يتفرغ الفقهاء والأئمة للحديث عن آلية توفير خروف العيد وجواز شراء الأضاحي بالقسط يعني بالدين! .. وهو كما ترى نهج إفتائي مربك للمسلم الذي يشد العرف وثاقه فيهرب إلى الدين بحثاً عن الرخصة، وبدلاً عنها يجد فتوى تُجاري استحكام العادة وتتواطأ مع تنطع المجتمع بشأن لزوم الأضحية، فتلزمه بما لا يلزم، وتحاصره برخصها المبذولة حول طرائق وآليات السداد ..! ٭ عوضاً عن ذلك كان الأحرى أن يجتمع علماء الدين على كلمة سواء بشأن فتوى أكثر إلحاحاً، وأن يقلبوا ظهر المجن للعرف الاجتماعي الفاسد بتنوير فقهي يطمئن إلى عدم وجوب الأضحية - «من أساسه» - بل الحديث عنها باعتبارها سنة مؤكدة حتى على ذي السعة، وياليتهم تشددوا في عدم جواز إرهاق الجيب والنفس لتوفير أثمانها .. إذ كيف يمكن أن تجتمع الاستطاعة والمشقة في شرع الله الذي لا يكلف نفساً إلا وسعها .. ؟! ٭ خروف الضحية هم مقيم، ومشقة مؤكدة للسواد الأعظم، لكن سطوة العرف تفرضه كنوع من المكابرة الاجتماعية المتلفعة بأثواب الواجب الشرعي، وقد ورد في الأثر أن رسولنا الكريم - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - لم ينحر في سنة من السنين حتى لا يظن الناس أن الأضحية واجبة، وأن سيدنا أبو بكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - لم ينحرا أضحية طيلة سنوات خلافتيهما، خشية أن يظن الناس أن الأضحية واجبة .. فلماذا لا يقول فقهاء السودان ذلك ..؟!