افتقدنا هذه الأيام إطلالة عدد من المسرحيين السودانيين الذين كانوا ينشرون الفرح ويوزعون الإبتسامة في كافة مناطق السودان.. بسبب الهجرة أو الموت أو المرض، من ضمن الذين افتقدناهم وافتقدنا حضورهم الباهر الفنان المسرحي الكبير نبيل متوكل والذي شكل مع الفاضل سعيد ثنائية ظلت محفورة في ذهن السودانيين، فقد عمل معه في 18 عرضاً مسرحياً من 21 عمل للفاضل سعيد أبرزها «أكل عيش - نحن كده والنصف الحلو» وهذه المسرحيات هي الوحيدة التي وجدت حظها من التوثيق، أما بقية الأعمال ال 18 فلم توثق.. ما يعني أن أرثاً فنياً ضخماً ومهماً أهمل وسينسى، هذا التناسي والاهمال أحد الآفات التي أقعدت بالحركة الفنية في السودان.. أما أكبر الآفات فهي عدم الاهتمام بالمبدعين أنفسهم في حال أصابهم المرض.. كما حدث مع الفنان الكبير نبيل متوكل المصاب بالشلل منذ ثلاثة أعوام.. ولم يجد الرعاية والعناية التى يمكن أن تعيده لجمهوره، فكل ما يحتاجه هو جلسات علاج طبيعي مكثف كنا نتمنى أن تتكفل الجهات الرسمية بعلاجه، وعندما سألناه عن امكانية نجاح العلاج من عدمه، قال لنا الأمل موجود في حال توفر العلاج اللازم.. والذي أصبح في غير مقدوره كيف بدأت قصة مرضه؟ نبيل متوكل حكى أنه أثناء عمله لبروفات مسرحية «عنبر المجنونات» شعر بثقل في قدمه اليمنى، فقرر الذهاب الى الطبيب والذي قرر إجراء فحص عن طريق الرنين المغنطيسي, ووجد من خلاله ضرورة إجراء عملية جراحية «مستعجلة» وإلا سيصاب بالشلل، فحدد الطبيب إجراء العملية والتي تكلف 32 ألف جنيه، دفع منها ديوان الزكاة 3 آلاف ووزارة المالية 5 آلاف، فاضطر نبيل إلى بيع عربته لإكمال المبلغ.. العملية الجراحية أجريت بنجاح، لكن التدافع الكبير من الأهل والأصدقاء والمحبين اضطره للحركة، ما سبب فتقاً في الجرح, فاحتاج إلى إجراء عملية جراحية أخرى بعد أيام من الأولى, فنتج عن ذلك شلل تام نبيل يرى بأن الأطباء قاموا بواجبهم على أكمل وجه، والسبب الرئيسي في الشلل هو لأنه جامل الزوار على حساب جرحه الذي لم يلتئم ماذا يفتقد نبيل الان؟ يقول : افتقد خشبة المسرح التى وقفت فيها لأكثر من 44 عاماً انجزت فيها 18 عملاً مسرحياً مع العملاق الراحل الفاضل سعيد مثل «النصف الحلو- أبوفانوس - أكل عيش , تباشير- عم صابر - جارة السوء» وعرفت معه كل ربوع السودان , وتعلمت منه حب المسرح وقضاياه, وفنونه، كما عملت مع عماد الدين إبراهيم في «برلمان النساء، عنبر المجنونات، ضرة واحدة لاتكفي» ومع مجدي النور «الناس السعرانين» وغيرهم من المبدعين مايميز الفنان نبيل متوكل أن له قدرة فائقة على الاندماج والتقمص، محققا درجة من التسامي مع الشخصية التى يؤديها على خشية المسرح، فلا يشغل نفسه بالفرجة والمتفرجين، كما له قدرة على الحركة داخل المسرح بنفس قدرة الحوار، وهو مايسمى بتكسير الجدار في أدب المسرح. فنان بهذه القيمة الفنية يجب أن يجد الاهتمام والعناية وهو القائل: المسرح علمنا نشر القيم الايجابية وانتقاد السلبية.