لم يكن يتوقع رئيس الجمهورية المشير عمر البشير وهو يصل السلاح الطبي الأربعاء الفائته ، أن زيارته للاطمئنان على صحة ابن دفعته في الكلية الحربية الدفعة (18)، اللواء «م» صلاح علي الغالي تاج الدين هو الأخير .. وناظر الهبانية ابن الناظر يغادر الفانية أمس بعد مسيرة طويلة في العمل العام من أحد مسارح الجيش «السلاح الطبي»، وهو الذي ظل - أي صلاح - جندياً في صفوف الإنقاذ منذ قيامها. ولد الغالي وترعرع وتلقى تعليمه الأولي في مدينة برام التي تبعد نحو 129 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة نيالا، معقل رئاسة نظارة الهبانية، حيث درس الثانوية بمدينة نيالا والتحق بعدها بالكلية الحربية، والتي كان له شرف أن جعلته أحد المشاركين في حرب 1967، ضمن قوة الجيش السوداني التي آزرت مصر في محنتها، وكان معه الملازم وقتها عمر البشير والملازم محمد عثمان محمد سعيد والي الخرطوم الأسبق، عليه الرحمة وعمل الغالي بعدد من الوحدات العسكرية بالجنوب والغربية بالفاشر وبالكلية الحربية وعمل كذلك بالامارات العربية منطقة دبي العسكرية.. تربى صلاح صاحب السبعة عقود وثلاث سنوات من العمر في بيت كبير - منزل نظارة الهبانية - حيث الحكمة والعلم والمعرفة ولذلك كان النجاح حليفاً ل «آل الغالي» وبقدر كبير، فاشقاؤه بينهم مدير بنك ، مهندس طيران ، مستشار بوزارة العدل ، جيولوجي ، مهندس زراعي ورجل أعمال. رجل دولة: استعانت الإنقاذ بالغالي في كثير من المواقع المهمة والحيوية، حيث عمل رئيساً للجنة الشعبية لتنمية دارفور بدرجة محافظ ، ثم وزيراً للاستثمار نائباً لوالي دارفور الكبرى ثم والياً لجنوب دارفور وهو ثاني والٍ للولاية الوليدة وقتها، حيث خلف بابكر جابر كبلو.. وعلى الرغم من أن صلاح هو ابن جنوب دارفور، إلا أنه شخصية قومية، وقد كان اول والي لغرب كردفان وعضواً بالمجلس الوطني لفترة طويلة وكان نائباً لرئيس البرلمان وأختير عضواً لمجلس الولايات لدورتين وعضواً بالبرلمان الحالي كما تقلد رئاسة الهيئة البرلمانية لنواب المؤتمر الوطني. ناظر بدرجة ضابط: لم يكن غريباً أن يخلع صلاح البزة العسكرية ويحال إلى التقاعد، ليبدأ حياة جديدة حيث ظل ضابطاً في صفوف المؤسسة الأهلية، أكبر وأهم المؤسسات الشعبية والمجتمعية في السودان عامة ودارفور خاصة، حيث خلف والده الناظر علي الغالي في نظارة الهبانية عقب وفاته في العام 1989، وهي مهمة عصيبة أشبه بقيادة معركة برع الغالي في إدارتها بحكمة واقتدار طيلة هذه السنوات ، كانت أصعبها عقب اندلاع حرب دارفور في العام 2004 بشكل صريح. استطاع صلاح أن يمازج بين الانضباط العالي الذي نهل من معينه في الجيش وبين الحكمة والرأي السديد التي أخذها من والده الناظر، وساعدته تلك التوليفة التي قامت عليها شخصيته أن ينجز كثيراً من الأعمال طوال مسيرته العملية سواء في المناصب التنفيذية أو الأهلية أو التشريعية. ولذلك كان الرجل مستودعاً للمعلومات والخبرات وظل مرجعية لكثير من المسؤولين، وقد سارع والي جنوب دارفور المهندس آدم الفكي للاجتماع بالغالي فور تعيينه وفعل ذات الأمر والي جنوب كردفان اللواء د.عيسى آدم عندما عين وزيراً للتخطيط العمراني بجنوب دارفور، وقد قال ذات مرة الناظر صلاح علي الغالي هو مرشدنا في العمل العام. للنظارة طعم مختلف: منح صلاح النظارة قوة ومنعة وتعامل معها بشكل مختلف بخلاف كثيرين من إخوانه من عمد وشراتي وشيوخ. ويردد ضيفنا الحكمة التي تقول «إن القائد العاقل هو الذي يحفظ قبيلته من الصراعات لأطول فترة ممكنة»، وذكرها مرة في حوار أجرته معه الغراء «الصيحة» رداً على اتهام مفاده أن نظار القبائل الدارفورية هم وراء تأجيج الصراع القبلي في المنطقة. كما أن صلاحاً ظل مدافعاً عن الإدارات الأهلية وبشكل قوي، وظل من المنتقدين وباستمرار لمن ينظرون إلى ناظر القبيلة نظرة دونية، وظل يصفهم ب«المخطئين» ويؤكد أن الناظر يلعب أدواراً مهمة. المجاهر بالحق: عرف عن صلاح صدعه بالحق ويجاهر برائه، حتى وإن كان يعلم مسبقاً أنه لن يرضي الكثيرين ، وكان كثيرون يحتكمون إليه لمعرفتهم التامة برجاحة رأيه.. ومعروف عنه أنه كان ضد فكرة تقسيم ولاية دارفور إلى خمس ولايات، وضد تعدد الولايات وكثرة المحليات، وجاهر بقوله في الإعلام، حيث قال إن التقسيم أدى إلى هتك النسيج الاجتماعي بين القبائل. كما أنه يؤمن، وإلى حد كبير، بأن أبناء دارفور أنفسهم هم سبب تفاقم الأزمة، ومن أقواله: «أن مثقفين متطلعين لكراسي السلطة هم وراء تأجيج الصراع»، وهي آراء جهيرة وصريحة لن يقولها إلا «الغالي» والذي غادر أمس الدنيا «الرخيصة».