لا تُصالِح ولو نغْنَغوك بالذهب وحفّزوك بالدلالير، ولوّحوا لك بوزارة مثل التي اعتلى عرشها حسن إسماعيل.. لا تُصالِح ولو استلمت يمينك، قطعة في كافوري وقصراً في المنشية، فأنت في هذه الدنيا عابر سبيل..! لا تُصالِح إلا إذا باعوا اللاندكروزرات ودعموا بها مرضى شارع الحوادث، إلا بعد أن يركب الوالي والمعتمدون عربات جِياد، ويعدِلوا المايل في داخليّات البنات..إلا بعد أن يوقِفوا عادة التأثيث المزاجي لمكاتب الوزراء، ويحولوا أموال التجنيب، ومُخصصات المحاسيب، لإصلاح مشروع الجزيرة.. لا تصالح حتى نعرف: لمصلحة من يحفرون التُّرعة الطولية بالعرض، والعرضية بالطول؟.. وأي دين هذا الذي يُفكك قضبان السِّكة الحديد، وأي سلام هذا الذي يفصل الجنوب؟.. أسألهم داخل تلك القاعة المُكندشة: لِمَ كان ثمن السلام أكثر فداحة من الحرب..؟! لا تُصالح إلا بعد اعتذار كل حرامي عن تحلله، وإعادته لما سرق من أموال وقصور وڤلل ومزارع.. إلا بعد أن تُعاد للجيش هيبته، وتتوقف مسرحيات التصالح الهزلية مع المتمردين، فتلك تجارة خاسِرة.. ما أكثر المؤتمرات التي عقدوها والاتفاقيات التي وقّعوها.. تاريخ الإنقاذ طويل في موائد الحوار.. من مؤتمر الحوار الاقتصادي، إلى التراضي، إلى الوثبة، من أديس إلى أُم جَرَسْ، مروراً بنيفاشا الحركة الشعبية، وأبوجا حركات دارفور وقاهرة أحزاب الفكة.. كم خسرنا من هذا التّشعيب، وماذا ربحنا غير طق الحنك؟.. هل ذاق السودانيون سلْوَتَها؟.. دعك من فومِها وعدسها وبصلها..! وأنت تتصفّح وجوههم الطّرِيّة، وأوداجِهم المُنتفِخة، تذكر ليالي العذاب التي أذاقوكَ تشرداً ونفياً وفقراص.. تذكّر أن الضّامِن أوهنُ من بيت العنكبوت، وأن الزبد يذهبُ جفاءً، وأما ما ينفعُ النّاسَ فيمكُثُ في الأرض.. أمِن أجل حفنة مال تُشاركهم في الجريمة؟.. بكم الدّولار الآن..! أمِن أجل العِيال؟.. ألم ترَ أن وِقاية الله أغنت كثيراً منهم عن الدّروع تحت قصف الأنتنوف..! لا تُصالِح و«تُغبِّش» وعي الأولاد.. لا تُصالِح فتكونَ عصا في يد الجلاّد.. من يُصالِح على الدم المسفوح باسم الشريعة، والمال المنهوب باسم التنمية، والكرامة المُنتهكة باسم العلي القدير؟.. هذا ليس تحريضاً للأحقاد، فقلوب السودانيين ليس كما يقول الشيخ، هي بيضاء مثل جلابيبهم والعمائم، يغفرون لمن أساء ويعتذرون لمن اجتهد في العفو، و«يقيلون» من أخطأ.. فهل اعترفوا بشيء من ذلك..؟ إن كل صلحٍ منقوص، هو منقصة.. لا تصالح من اغتصبوا الشرعية: النساء والرجال، وأدخلوا البلاد في نفق مظلم لأكثر من ربع قرن.. مزّقوها، ويطلبون منك الآن، التّمديد لهم على حساب المحروقين بنيران فسادهم..! إن لم تكن قادراً على شيء ممّا يحلم به الأحرار، فإن فجر الشعب آتٍ.. لِمنْ دامت حتى تدوم للدّقون المنتفحة زوراً بأثواب القداسة؟.. هؤلاء يذيعون فزاعة الصوملة والبغددة واللّبلبة، خوفاً على مصيرهم، لا على مصير الشعب.. مضت خمس سنوات على غزوة أبي خليل لأم درمان.. مضى عامان على دخول الثورية لأبي كرشولا.. مضت 26 عاماً من العذاب والمراوغة والكذب ونحن لم نزل نعبد الله القديم الباقي الذي لا تضيع ودائعه. لا تُصالِح إلا إذا كان المواطن هو أثمن رأسمال، إلا إذا أعادوا للدولة أموالها، وللطلبة جامعاتهم، وللأطفال أحلامهم، وللمعلِّم هيبته، ولرب الأسرة عزّته، ولمهيرة شموخها.. لا تصالح إلا إذا عادت الكفاءات الحقيقية التي نُزعت من مواقعها بالصالح العام والإهمال، وسوء المعاملة.. لا تصالح إلا إذا حصروا عداً ونقداً السيارات منزوعة اللّوحات، التي قتلت شهداء سبتمبر، والشخصيات البارزة التي تسببت في إغراق طُلاب العيلفون.. من قتلوا شباب كجبار، واستحلّوا حرائر دارفور..! لا تُصالِح إذا دغدغو مشاعرك بغياب البديل، فهؤلاء يظنون أن حواء السودانية لم تلِد سِواهم..!!