في المقال السابق تحدثت عن التقرير البحثي وفق المخطط الأمريكي عن بناء شبكات إسلامية معتدلة، والتقرير لم يكن الأول من نوعه بهذا الخصوص وإنما سبقته تقارير أخرى وهو عبارة عن تتمة لتقريرين سابقين هما «إسلام ديمقراطي مدني» و«العالم الإسلامي بعد 11 سبتمبر»، وركز الآخير على تحديد مستقبل العالم والشركاء الإستراتيجيين بالنسبة لأمريكا. الكل كان يتساءل عن مفهوم الراديكالية والإعتدال بالنسبة للمفهوم الأمريكي، لذا فقد ميز تقرير راند المعتدلين ووصفهم بالديمقراطية، واحترام حقوق المرأة، والأقليات الدينية، ومناهضة الإرهاب، وأشكال العنف غير الشرعية، وتقبل مصادر القوانين غير الطائفية. اعترف معدو التقرير كذلك بسياسات الولاياتالمتحدة التي كانت ولا زالت متبعة لمحاربة أعدائها ومدى النجاحات التي تحققت، يقول التقرير: «كانت الرابطة الوثيقة بين الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة وجهودها لبناء شبكات ديمقراطية عنصراً أساسياً في ما حققته سياسة الاحتواء من نجاح بشكلٍ عام، وبناء على ذلك تمنح صناع السياسات نموذجاً يحتذى به في الوقت الراهن». ويصل معدو التقرير في نهاية المطاف إلى نتيجة مهمة موضحين أسباب ظهور الراديكالية الإسلامية، إذ أن الاستبداد السياسي واضمحلال مؤسسات المجتمع المدني وعدم القدرة على التعبير عن التذمر وتقديم الراديكاليين أنفسهم كحلول ناجعة أمام هذا الوضع حسب وجهة نظرهم، كان من الأسباب الأساسية للظاهرة، وقد جاء بالتقرير: «هناك دلائل جلية تفيد بوجود تأثير كبير للعوامل التركيبية، وسيطرة التكوين السياسي المستبد، واضمحلال مؤسسات المجتمع المدني بمعظم أرجاء العالم الإسلامي، إلى أن يصل مرحلة أن يكون المسجد أحد المواقع القليلة للتعبير عن التذمر والاستياء المعهود في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة، فيما يقدم الراديكاليون أنفسهم باعتبارهم الحل البديل الوحيد والأنسب للوضع الراهن.