واهمٌ من يظن أن العالم الآن يتحرك دونما تخطيط أوهكذا بلا تدخلات من هنا وهناك، إن كان ذلك يحدث فعلاً فقد يكون مقصوراً على الدول الضعيفة فقط، أما الكبرى ذات الثقل الوزن الإقليمي فلابد أن تسعى للتفكير لخلق استراتيجياتها وفق المصالح التي تراها. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتفجير برجي التجارة العالمية، حاولت الولاياتالأمريكية- كعادتها دائماً- التفكير بجد وبخطط استراتيجية لفهم كيفية التعامل مع العالم الإسلامي، جاء ذلك بعد إنتهاء الثنائية القطبية طبعاً وتفكك الإتحاد السوفيتي، وبعد أن صرَّح للدنيا كلها مؤلف كتاب «نهاية التاريخ» معلناً سيطرة وهيمنة الولاياتالمتحدة على العالم، فاجى صمويل هنتنجتون العالم بعد ذلك بكتابه «صدام الحضارات» الذي أعلن من خلاله عن القوة الوحيدة التي بامكانها مصارعة الهيمنة الأمريكية وهي الحضارة الإسلامية.سعت الجهات البحثية والاستراتيجية في التوقيت نفسه للبحث عن حلول لمواجهة الخطر وفق ما عُبر عن ذلك وقتها، وأخطر ما خطته الأقلام والتقارير البحثية في هذا الموضوع كان تقرير مؤسسة راند الذي حمل عنوان «بناء شبكات إسلامية معتدلة» وبحث وناقش أسباب تفشي ظاهرة ما يسمى بالإرهاب وانتشار الراديكالية الإسلامية وطغيانها على صوت الإعتدال الإسلامي. ومؤسسة راند هي منظمة غير ربحية للأبحاث تعطي تحليلاً موضوعياً للأحداث وحلولاً فعالة تتعلق بالتحديات التي تواجه القطاعين الخاص والعام في جميع أنحاء العالم، ولا تعكس منشورات المنظمة آراء رعاة بحوثها أو عملائها.. أما البحث المذكور أعلاه فقد رعته مؤسسة «سميث ريتشارسود» وتم تنفيذه بإشراف من راند نفسها. قدمت عدد من المؤسسات العربية والإسلامية تحليلات وتفسيرات لمضمون وأهداف التقرير مثل مؤسسة أبحاث طابة، التي كان تحليلها موضوعياً ومفيداً، ويطرح التقرير تساؤلاً مهماً يكشف عن كيفية هيمنة الأصوات الراديكالية بالرغم من قلتها- حسب التقرير- بين المسلمين في مقابل صمت الأغلبية المعتدلة.. ويوضح كذلك الطريقة التي انتهجتها أمريكا لبناء الشبكات أثناء الحرب الباردة فيما يجري مقارنة تحليلية لأوجه التشابه والاختلاف بين أجواء الحرب الباردة والإسلام الراديكالي حسبما يرى الأمريكان.