ومنذ فجر التاريخ .. تاريخ العرب ومنذ أول إنشاد .. أو غناء ... أو بيوت من الشعر كانت الأغاني .. كل الأغاني .. تتوشح بالسواد .. تلتحف الرماد .. مكتوبة بدم نازف وراعف يتفجر من قلب عشاق .. كان الأحبة من الشعراء .. يناجون حبيباً .. في دروب وأجواء وطقس الخوف .. الخوف من الهجر والحرمان ... والبعاد والرحيل ... كانت الألسنة تتذوق طعم الدموع المالحة.. المتفجرة .. الهاطلة من عيون أعشاها البكاء والنواح .. قليلة بل نادرة وشحيحة تلك الأغاني .. التي ترفل في جلابيب البهجة والمرح والسعادة .. مستحيلة تلك الكلمات التي تتغنى وتشدو للأمل .. وروعة اللقيا.. وسحر التلاقي في كل مليون أغنية .. تجد أغنية .. متفائلة .. تفتح قلبها وعقلها وصدرها .. لعناق حبيب .. في ثقة في اطمئنان .. في فرح .. وراجعوا كل كتب وأشعار التاريخ العربي .. منذ الشعر الجاهلي .. وذاك الذي في صدر الإسلام .. مروراً بشعر العصر الأموي والعباسي .. وانتهاءً بأغاني اليوم ... يقبل عنترة .. السيوف.. فقط لأنها تذكره بعبلة وثغرها المبتسم .. ويأتي النابغة الذبياني .. وتلك الرحلة .. الغارقة .. في الدموع .. وعصرنا الحالي .. وغناءنا الراهن .. ذاك المنحوت في أكباد العشاق .. التي تهرأت .. من الوجع والفجيعة .. ثم... تضيء نجمة في عتمة الليل البهيم .. وتنفجر حزمة من الضوء .. لتنير دروب العاشقين .. وتهب نسمة منعشة في طقس في نهار مشتعل بالجحيم .. وتنبت واحة خضراء تحفها الأزاهير .. تصفق فيها أجنحة الطيور .. تغرد فيها البلابل الملونة.. ويقيض الله لديوان الهادي آدم .. «كوخ الاشواق» ليقع بين يدي أم كلثوم .. تصافح عيون كوكب الشرق .. بهاء الحروف وروعة المباني وجزالة المعاني .. تلتقط حواسها وروحها الفنانة في مهارة .. رائعة الهادي وهي ترقد في قلب ذاك الديوان «أغداً ألقاك» .. بسرعة البرق .. تطلب عبد الوهاب الموسيقار البديع .. تطلعه على ذاك الكنز الثمين .. ثم تتدفق الكلمات مموسقة عذبة التطريب .. تفتح آفاقاً جديدة في دهاليز.. وصوالين بل فضاء الأغنية العربية ولأول مرة يستمع الناس إلى الغناء وهو يدعو إلى التفاؤل .. والفرح ... والغد.. فإلى «أغداً القاك».. أغدا ألقاك يا خوف فؤادي من غدى يالشوقى واحتراقي في انتظار الموعد آه كم أخشى غدي هذا وارجوه اقترابا كنت استدنيه لكن هبته لما أهابا واهلت فرحة القرب به حين استجابا هكذا احتمل العمر نعيما وعذابا مهجة حارة وقلبا مسه الشوق فذابا أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني أغدا تشرق أضواؤك في ليل عيوني آه من فرحة أحلامي ومن خوف ظنوني كم أناديك وفي لحني حنين ودعاء يا رجائي أنا كم عذبني طول الرجاء أنا لولا أنت أنت لن احفل بمن راح وجاء أنا أحيا بغدى الان و بأحلام اللقاء فأت أو لا تأت أو فافعل بقلبي ما تشاء هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر هذه الدنيا ليالى انت فيه العمر هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر هذه الدنيا سماء انت فيها القمر فأرحم القلب الذي يصبو اليك فغدا تملكه بين يديك وغدا تأتلق الجنة أنهارا وظلا وغدا نسمو فلا نعرف للغيب محلا وغدا ننسى فلا نقسى على ماض تولى وغدا للحاضر الزاهر نحيا ليس الا قد يكون الغيب حلوا انما الحاضر ..... أحلى