٭ للسودانيين مثل دارج بليغ يقول «شقي الحال اقع في القيد».. يرددونه في الأحوال التي يعم فيها الفساد والجريمة والإفلات من العقاب، وينفرط فيها عقد الطهارة والاستقامة والأمانة.. بحيث يصبح سيء الحظ أو «شقي الحال» هو من يتم القبض عليه أو ملاحقته بجرم ارتكبه.. فذلك هو الاستثناء للقاعدة والحال السائد. طرق ذلك المثل بإلحاح على خاطري، وأنا أطالع خبراً نشرته صحف الإثنين الماضي يقول: ٭ أصدرت محكمة جنايات الخرطوم أمس (الأحد) حكماً بالسجن لمدة عام والغرامة (ألف جنيه) في مواجهة مدير الشؤون المالية والإدارية بمفوضية تشجيع الاستثمار، التابعة لولاية الخرطوم، والمتهم بتزوير شهادته الجامعية والتي تحمل اسم «جامعة النيلين/ كلية التجارة».. ٭ المتهم ظل يعمل بالشهادة المزورة على مدى خمس سنوات وتدرج بها إلى أن وصل إلى منصب «مدير الشؤون المالية والإدارية بالمفوضية»، ليتم تدوين بلاغ في مواجهته تحت المادة (123) المتعلقة ب «التزوير».. وأقر المتهم- المدان- بأنه ليس لديه مؤهل أكاديمي وأن شهادته مزورة.. وتمت مخاطبة جامعة النيلين التي جاءت إفادتها بأن لا وجود لها في سجلات الجامعة. ٭ الخبر على هذا النحو يثير أكثر من قضية ويطرح أكثر من سؤال، يتقدمها ما يلفت إليه المثل السوداني الذي مهدنا به لهذه «الإضاءة».. وهو أن «التزوير» أصبح عادة وقاعدة في تعاملات الناس ببلادنا، خلال العقود الأخيرة، خصوصاً مع منهج «التمكين» لذوي الولاء.. حتى أصبح «التمكين» و«التزوير» صنوان وقرنان لا يفترقان، بحيث يبرر الأول للثاني.. وحتى يتمكن الموالون من كل مفاصل الدولة، خصوصاً ذات الحساسية العالية والفوائد المحسوسة.. مفوضية تشجيع الاستثمار نموذجاً.. هذه واحدة. ٭ أما الثانية فهي ما جاء في حيثيات الحكم المنشورة والتي لم يرد فيها اسم الجاني المدان.. ربما بفقه السترة.. فبشهادته المزورة تلك.. وهي لخريج جديد.. قفز عبرها الجاني إلى المناصب العليا وتولى أخطر موقع في المفوضية المذكورة حتى «تمكن» من شأن المال والإدارة فيها خلال خمس سنوات «فقط لا غير».. ولا أدري كيف سيكون حاله لو أنه كغيره.. وما أكثرهم هذه الأيام.. لو أنه دخل إلى المفوضية.. بدرجة ماجستير أو دكتوراة؟. ٭ والخبر على هذا النحو «ناقصٌ» أيضاً.. فالبلاغ الجنائي وحكم المحكمة فيه قَصَر الأمر على شخص الجاني، الذي لابد له بطبيعة الحال من شركاء «مكنوه» في المنصب لأهداف وأغراض تخّصهم برغم محدودية مؤهله العلمي «المزور» وقصر فترة خدمته.. كما هو الحال في فساد المكاتب «الولائية والجمركية» التي تمت محاصرة قضاياها في شخوص «الفاعلين المباشرين» دون توسيع مدى الرؤية ليشمل خلفيات الفعل وامتداداته وتشعباته لكشف الصورة الكاملة وأبعادها. ٭ الخدمة المدنية، إذن، في حاجة ل(مكنسة وطنية كبيرة).. علها تزيل أوشاب التمكين والفطريات الحزبية التي نمت وتكاثرت في جميع دواوينها.. والله المستعان!.