فى النهاية، هي «مَكَنة» واحدة، لكن يُحسب لصالح عضوية التنظيم هذه البراعة في تشغيلها طيلة هذه السّنوات..! إنّها «مَكَنة» ذات هدير فجّ، وفي محاولة لاتّقاء الشرور النّاتجة عن هديرها المُزعج، لجأ أهلنا النوبيون إلى حيلة للمواجهة، عن طريق تنصيب محسوبهم «هاج مهمّد» حاج محمد مندوباً عنهم داخل الإنقاذ.. لم يكن ذلك إلا رضوخاً ل «سياسة الأمر الواقع»، وأملاً فى رعاية مصالحهم، وللحصول على امتيازات التّماهي، قدر الإمكان..! أطلق النوبيون على «هاج مهمّد» لقب مندوبهم السّامي تندُّراً.. أمّا هاج مهمّد فلم يتأخر في تخييب ظنّهم.. فبعد عدة زيارات قام بها إلى المركز العام للحزب الحاكم، تغيّرت ملامحه، وقفز سريعاً مِن لمعة التأصيليين إلى ما ورائها، وبدأ رويداً رويداً يتنصّل عن الرُّطانة التى استبدلها بالتقعيدات الإنقاذية المعروفة..! هنا أطبقت الحيرة على النوبيين، وقلّتْ حيلتهم في الفكاك من تلك الورطة التي وقعوا فيها..! وفي النهاية ركنوا إلى أن الصّمت خير دليل، لأنه أفضل من توليف بديل كيزاني آخر مِن بينهم، وقالوا لأنفسهم: «طالما أن الإنقاذ لم تسقط حتى الآن، فأحسن هاج مهمّد يسوط معاهم».. نعم قد كان ذلك أفضل من ازهاق روحٍ أُخرى، لولا أن هاج مهمّد استدرك أهمية وجوده داخل التنظيم، واستشعر صعوبة تبديله بعنصر آخر ينال رضا المركز.. استدرك هذا، فأوغل كثيراً فى السُّوَاطة، فكان كلمّا صعدَ إلى المنبر، يشهي أهله بالجنّة ونعيمها، ويوبِّخهم بالنّار وسعيرها، ويحذرهم من الخروج عن عصّا الطّاعة، ويميل بهم نحو مُنجزات الثّورة، ويذكرهم بما يسميه: «هذا النعيم الذي تعيشون فيه».. وعندّما تشتد الضائقة المعيشية، أو إذا ظهر في الأفق ما يُعكّر الأجواء السياسية أو العسكرية، يقفز هاج مهمّد إلى المايكرفون لتدوير مَكَنة الشيخ الأكبر، فيُحدِّثهم بعد البُشريات القريبة إن شاء الله - عن الابتلاءات التى يُمتحَن بها المؤمنون، داعياً لهم بالتزام الصبر، واحتمال الأذى.. ولا ينسى الإشادة بناس زمان، فيقول: «النّاس زمان، كانوا يربطون «الهجر»/ الحجر على البطون»..! وعندما يغريه إصغاء السّامِعين، يتجاوز هاج مهمّد، نظرات الاحتجاج الغامِزة، فيفتح الجّاز أكثر وأكثر، ويتبجّح أمامهم قائلاً بأنّ «الإنقاذ دي لو ما جات، كان حيحصل ليكم أكتر مِن كِدا»..! وكما هي عادة النّاس في الرّيف، كان هاج مهمّد وأهله النوبيون يخرجون بعد الخُطبة، إلى أحد بيوت المُناسبات أو للغداء سوياً، وهناك تدور فعاليات الحوار المُجْتَمعي الصّريح، الذي لا تشوبه شوائب الدّهر الإخواني، ولا طاقة لأوعية التنظيم به أبداً!.. وكان هاج مهمّد، مِنْ موقعه كمندوب سامي، يشارك في تلك الفعاليّات رغم أنفه، وكان عادة ما يستعِد للرّد على هجمات النوبيين المُرتدّة، بمُذاكرة «التّحليل السِّياسي، لمحمّد لطيف»..! لكنّه في إحدى الجّلسات الشّفيفة وجدهم يحاصرونه احتجاجاً على استعرابه المُفاجيء، قائلين له بأن العَقْدة مع الجّماعة دول، «خَرَبَتو نهائياً»..! اتّخذَ هاج مهمّد ساتراً لذاته الإنقاذية بأسلوب الأشاعرة في الجِّدال، فلم يُفلح في المُنازلة.. تحرّكت نبرة الحديث نحو مواطِن الحِدّة، وارتفعت وتيرة الصّراحة، فلجأ هاج مهمّد إلى تقاسيم «المَكَنة» الإنقاذية القديمة.. أخرجها مِنْ غِمدِها وبدأ يتلو عليهم تغريدات الشيخ التي تقول: إنّه لا يوجد بديل للإنقاذ، سوى الإنقاذ.. وإن الوضع كان ممكن يكون أسوأ، لو لا أن الإنقاذ جاءت بالشريعة.. وختم التغريدات ناصحاً ب «المهجّة / المحجّة البيضاء»، داعياً النوبيين، أن يحمدوا الله على ذلك! شعرَ أهل الوجعة، بأن الحوار المُجتمعي، لا طائل من ورائه، فقام أحدُهم وطوى السِّجِل قائلاً له: «يعني يا هاج مهمّد، إنت وجماعتك دول عاوزين تلوكوا، وعاوزننا نحن نَحْمِدْ ليكم رَبُّنا»!