٭ جاء في الأخبار أن سوق أم درمان الشعبي شهد «مجزرة أرزاق» تشرد بسببها أكثر من ستين بائعاً وطحاناً للدقيق في فجر يوم أغبر الأسبوع الماضي. ٭ القصة «المأساة» كما يرويها تحقيق للصحافي المثابر «علي الدالي» في صحيفة «التيار» تعود جذورها إلى العهد المايوي، حيث منحت الحكومة وقتها أصحاب الأكشاك في ذلك السوق حق بناء «دكاكين» صغيرة لهم في ذات مواقعهم.. لكنها أخذت منهم بالشمال ذلك الحق الممنوح باليمين.. إذ عمدت إلى صيغة جعلت حق ذلك المواطن في مهب الريح.. فاعتبرته «مستأجراً» لمحله، وليس مالكاً له، حتى على سبيل «الحكر» المتعارف عليه مع الاحتفاظ بحق الدولة في «الملكية الدائمة» للأرض كما هو معمول به في قانون الأراضي السودانية الذي يطلق على هذه الصيغة «الإيجارة». ٭ وبرغم أن هؤلاء الباعة وأصحاب الطواحين قد اشتروا قطع الأراضي التي أقاموا عليها متاجرهم من حر مالهم منذ عام 1990، رفضت الحكومة تمليكهم «شهادات بحث» تؤكد ملكيتهم، وربما تمهيداً لمثل هذا «اليوم الأغبر» الذي شهده الأسبوع الماضي.. إذ وبحسب روايتهم، وصلهم منذ عامين إنذار بالإخلاء من المحلية تحت حجة «تطوير السوق» وإقامة مجمع حديث يستوعب محلاتهم ومحلات غيرهم.. لكن «السيدة المحلية» اشترطت مبلغ مائة ألف (مليون بالقديم)، على كل من يريد أن يجد له موطيء قدم في البناية الجديدة. ٭ وكان لسان حال هؤلاء البسطاء يردد: «اللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به».. لكنها دعوة لم تستجب - للأسف- مع إصرار المحلية على إعمال مبدأ «الجبايات» المعهود.. لأن هؤلاء سيشاركون حسب الصيغة المطروحة بأموالهم في إنشاء المبنى ثم يصبحون مستأجرين يدفعون شهرياً قيمة الإيجار، المعهودة. ٭ قرر هؤلاء «المساكين» أن يستسلموا وأن يضعوا أنفسهم في مواجهة مع المحلية.. حتى جاءهم إنذار أخير بإخلاء المحلات خلال (72) ساعة فقط.. وآملوا في أن تراجع المحلية قرارها الجائر وتنظر بعين الرأفة في مصيرهم وأسرهم التي تنتظر مغيب الشمس ليأتيها معيلها برزقها كل حين.. لكن رجاءهم صح عليه قول المثل: «عشم إبليس في الجنة» أو أن يأتيهم ب «لبن الطير» في قول آخر. ٭ صبيحة يوم (الاثنين) الأغبر من الأسبوع الماضي تحركت «جردة الجرافات» تحت حماية مربع البنادق والسناكي، فمارست الإخلاء القسري بالقوة الجبرية وأعملت الجرافات معاولها دون رحمة أو حتى انتظار إنقاذ ما يمكن إنقاذه من ممتلكات هؤلاء البسطاء ووقعت مأساة أخرى من مآسي الإزالات.. فتشردت أكثر من ستين أسرة وفقدت مورد رزقها وانضم أربابها إلى جيوش العاطلين. ٭ لسنا ضد التطوير والتعمير والتجميل، فهذا جزء أصيل من مطلوبات التنمية والتحضر.. ولكن يجب أن يتم ذلك في إطار «دولة القانون».. ودولة القانون أول مبادئها حق المواطن في الحياة وكسب العيش.. والبحث عن أيسر السبل التي تحفظ «هيبة الدولة» دون أن تجور على حق المواطن في الحياة والحرية. ٭ ليس أمامنا إلا أن نقول لهؤلاء الإخوة المواطنين الله يعوضكم وأكثروا من دعاء: اللهم لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا.. آمين! تصويب: ورد سهواً في إضاءة الأمس فرنسا التي حركت حاملة طائراتها «شارلي ديجول» إلى شرق الأطلنطي. «والصحيح شرق البحر المتوسط»، مع الاعتذار.