:: على سبيل المثال، بالخرطوم بحري، جوار ميدان المولد.. منازل أهل الحي تحيط بالميدان، ولذلك أحسنوا استغلال مواقع منازلهم بتقسيم المساحات التي تقابل الميدان إلى (دكاكين).. لبعضهم مطاعم ومقاهٍ ومتاجر في منازلهم، وأجّر البعض الآخر محلاتهم لتجار السيارات بحيث صار المكان (معرض عربات)، وتجاوره أنشطة أخرى.. يسترزقون بالحلال، شراءً وبيعاً وإيجاراً.. ويدفعون ما عليهم -من ضرائب وزكاة ورسوم وأتاوات- لكل السلطات وبمختلف مستوياتها، مركزية كانت أو ولائية أو محلية.. وظل هذا النشاط التجاري بالمكان يشكل -من زمن عبود- مصدر دخل لأكثر من (500 أسرة). :: ولكن، وكأنها على عهد مع نفسها بألا ترحم رعيتها ولا تدعها تأكل من خشاش الأرض: فاجأت سلطات محلية بحري قبل أيام أصحاب معارض السيارات بقرار فحواه (قفلوها أسبوعين)، هكذا.. أمر محلي بإغلاق المكاتب لمدة أسبوعين.. لماذا الإغلاق؟، ولماذا لأسبوعين؟، هكذا تساءلوا.. لن نسمح بمعارض السيارات في هذا المكان، وسوف نخصص لكم مكاناً آخر خلال (فترة الإغلاق)، هكذا كان رد معتمد بحري، فتأملوه بعقول الصابرين وقلوبهم.. أمر حكومي يجمد النشاط التجاري للمكاتب والمعارض (أولاً)، ثم يبحث -لهذا النشاط التجاري المجمّد- عن مكان آخر (لاحقاً)، أي خلال (فترة التجميد).. لم يُفكّر في البديل قبل التجميد، بل سارع إلى التجميد ليفكر في البديل (بي مهلتو)!!. :: وبالفعل، وباستخدام قوة الشرطة وهيبتها وترهيبها، تم إغلاق المكاتب والمعارض (أسبوعاً).. لم يخطرهم المعتمد خلال هذا الأسبوع ب(المكان البديل)، وكذلك لم يصرف لهم ولأسرهم بعض مواد الإغاثة أو أموال زكاة بحيث تكون رزقاً بديلاً لأجور وعوائد (تجارتهم المجدة)، بل تناسى أمرهم وغادر إلى الصين مع (وفد والي الخرطوم)، ولا يزال هناك.. عاد بعض أصحاب المكاتب والمحلات لمزاولة نشاطهم التجاري، ولكنهم عادوا بتوجس ويضعون أيديهم على قلوبهم طوال ساعات النهار، ويفزعون حين تمر بجوارهم (عربة دورية)، ويرتبكون حين يظهر (شرطي)، فالأمر المحلي القاضي بتجميد نشاطهم لا يزال (سارياً).. ولم يعد البعض الآخر، والله يعلم بحال أسرهم، فالمعتمد بالصين و(لا يعلم)!. :: بالقانون، هذا إن كنا في دولة القانون: هل للمحلية سلطة إلغاء وتجميد أي نشاط تجاري مشروع (بجرة قلم)؟.. فالمنازل التي هم يستأجرون دكاكينها، وهي التي تحيط بميدان المولد، ليست منازل حكومية، ولا تتبع إدارياً لمحلية بحري، فبأي حق وسلطة تتحكم فيها محلية بحري بحيث تقرر (ما عايزين معارض هنا)؟.. ثم، بالعقل الإداري الحكيم، هذا إن كانت العقول الحكيمة هي التي تدير شؤون الناس والبلد حالياً، وليست (الأمزجة والأهواء)، ألم يكن أفضل للمعتمد والتجار -وللناس والبلد- أن يجتمعوا ويختاروا المكان البديل (أولاً)، ثم يرحلوا من مكاتبهم ومعارض سياراتهم الحالية (لاحقاً)؟. :: ثم بالقلب الرحيم، هذا إن كانت قلوب الولاة ترحم حال الرعية: هل فكرت السلطات المحلية في أحوال المئات من أصحاب المنازل والتجار والعاملين معهم وستات الشاي وأصحاب المطاعم، وغيرهم من الذين تسترزق أسرهم من نشاط هذا المكان (برزق اليوم باليوم)؟ هل فكر المعتمد في أحوالهم في لحظة إصدار (قرار الإغلاق)؟.. كلها أسئلة مشروعة و(مؤلمة)، وإجابتها التي على أرض الواقع تعكس أن حياة المواطن ومصيره لا يزالان في ذيل قائمة (أولويات السلطات).. وبمثل هذا النهج، تتشرد الأسر وترتفع نسب التسرب بالمدارس وتمتلئ صالات المغادرة بالمطارات والموانئ وتضج صفحات الحوادث بالجرائم.. وما تجميد النشاط التجاري بميدان المولد بأمر محلية بحري، إلا محض نموذج لتجميد محليات السودان (وسائل الحياة)!!.