تهب علينا نسائم بيت الله الحرام.. يفوح عبيرها وقت الحج.. فتتفجر ينابيع الشوق في القلوب بالمحبة لله ورسوله والدين الحنيف والقبلة التي يتوحد قاصدوها، وهم يذكرون ويشكرون الله كما هداهم.. وإذا بقلوب الموحدين تصغي من جديد إلي صدى النداء الجليل لإبراهيم الخليل عليه السلام، حيث قال له مولاه: «وأذِّن في النَّاس بالحجِّ يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فجٍّ عميق» الحج «27».. الله أكبر.. ما أحلاه من نداء.. وما أروعه من تكليف تستريح له النفس البشرية. حين ينطلق المسلم في دروب الحياة الدنيا يسعى ويكدح في مطالب الحياة ويتعب.. يحتاج إلى محطة تستريح فيها الروح ويطمئن القلب.. وتتجدد الطاقة.. ويمتلئ الفؤاد ب«الزاد» الذي يدفع العبد ليكون إلى الله تعالى أقرب.. وعلي طاعته أشد حرصاً، ومع الناس أحسن خلقاً وأقرب رحماً.. وليس هناك من مكان يجد فيه المسلم راحته أطهر من بيت الله الحرام الذي تهوي إليه أفئدة المؤمنين حجاجاً وعماراً.. فليس أروح للقلب وأطيب للنفس من بقعة يسكنها أسعد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم، والمسجد النبوي والمدينة المنورة بروحها وريحانها، وأصحابه الميامين... ويرتفع صوت الحجاج بالتلبية، قائلين: لبيك اللهم لبيك.. وهذه تلبية النداء لمن استطاع إلى البيت الحرام سبيلاً، ولم يتردد ولم يتأخر، ولم يشغله جمع المال وشأن الأسره عن تلبية نداء مولاه متزوداً بخير زاد كما أمره ربه عز وجل: «وتزودوا فإن خير الزاد التقوى» البقرة «197».. كما أن على المسلم الحاج أن يستشعر افتقاره إلى مولاه فيما يفرض عليه من شعائر وتكاليف لها فيها خير الدنيا ونعيم الآخرة، فليس لله حاجة إلى العبد، بل هو الإله الأعلى الغني بذاته عن عباده، قال تعالي: «يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد» فاطر «15». على حجاج بيت الله الحرام أن يدعوا الله لتوحيد كلمة المسلمين، وأن ينصرهم الله على القوم الكافرين.. آمين يارب العالمين.. ونسأل الله أن يتقبل منا ومنهم صالح الدعوات ... وكل عام وأنتم بخير