بحث الكاتب دوماً عن عنوان يتناسب مع محتوى الموضوع يجعله صريع المعاني التي يصعب تأويلها حقيقة فهي حكم جائزة، لكنها في الواقع صورة متوهمة تستوقف مشاعره حتى آخر قطرة. لا تعود الروح حقيقة إلا في اليوم المشهود، إنما هو تعبير عن ارتقاء الحب حتى أقصى تخوم الاستكانة بعد طول هجعة وكثير ترحال في دروب عديدة، فما تنفك تشعر بالشوق والتوق لمكان تشتم فيه عبيراً صاخباً ضاجاً يمور بعذب الذكريات ويقتلك حنين ألفته، وعميق مودته تظل تذكرك مواقف وأحداثاً شكلت جزءاً من وجدانك ورسمت خطوطاً عميقة في مسيرة حياتك، إنه لشجى يعتادني في كل حين وكل لحظة، وولع يطرقني فأستشعر ألم البين الذي أبكى الشعراء ورسموا بفجيعتهم على الديار وألبسوها دثار الأشواق وتذكروا ما قد سلف لهم فيها فأعولوا وانتحبوا وأحيت الآثار دفين محبتهم فناحوا وبكوا بأحرفهم. أعود اليوم لموطن وهوية طالما تنسمت فيها أريج عبق، وخالطه وداد مشبوب ووشائج وصلات بقراء أسعدني الزمان بحسن صحبتهم وصادق تفانيهم في الوفاء بعهد الحروف وصداقة القلم. أعود لدار ما نكرت حيطانها ولا تشكيل ألوانها ولا أستعذت بأثاثها الفخم الوثير، عدت لأنصب خيمتي وسط معسكر للإبداع لا تنقضي صولاته وجولاته همنا واحد ومحبرتنا لا تنفذ ولو تطاول الهم وتملكتنا الأسقام وتناوشتنا الهموم، فما ما بيننا والقاريء عهد وموثق بأن يمنحنا وقته وحلو نظراته ونمنحه بعض ما يعتمل في قلبه وعقله ونستكمل جزءاً من الإجابات على بعض استفهاماته. عدت بعد أن دفعت استحقاق البعد لكنني ما سلوت وعهدي الوفاء، وما أغلقت باباً فتح لي على مصراعيه ومنحني ومنح قلمي انتماء وهوية، لكنها سنة الدوران مع الأرض ومطية التنقل في الملكوت بضرورة الضرب في المناكب، والتوافق مع المتغيرات، والرضا والقبول بكل ما تسطره الأقدار، فالأمر كله خير. لكن حتماً تتنازعنا بشريتنا ويظل الشوق يحدونا لنهجع بعد طول نجيع. زاوية أخيرة: ها هي الظروف تقيض لي أن أنيخ برحلي على أعتاب بيت سكنته وسكنني، فإن أسريت ذات ليلة، فهأنا أعرج ببراق لطالما طوى المسافات بيني وبينكم.