شاهدة على اللحظات التاريخية لرفع علم السودان وإنزال علم الاحتلال من على سارية القصر، عاصرت حقب تاريخية وحكومات مختلفة حتى الآن، إنها الحاجة آمنة عثمان علي رحمة الله صاحبة ال (97) عاماً «أطال الله وبارك في عمرها»، وما زالت تمتلك ذاكرة متقدة تمكنها من ذكر تفاصيل بعض الشواهد التاريخية، وسرد تواريخ الكثير من الأحداث. في حي البوستة بأم درمان إنتقلت «آخر لحظة» إلى منزلها والتقتها وأسرتها الكريمة، فأدارت شريط الذكريات وروت بعض ذكرياتها خلال سنين طويلة مضت، وابتدرت حديثها بالاحتفال بالمولد النبوي الشريف وقالت، على أيامنا كنا نحتفل بالمولد لأيام متواصلة في ميدان الخليفة، وكنا نقوم بالمديح وكنت أقوم بتجهيز «الرز باللبن» والعصائر وتوزيعها على رواد الاحتفال من غير مقابل، وأضافت أن هذه العادة لم تنقطع حيث تولى حفيدي أيمن توزيع العصائر و«الرز باللبن». وواصلت حاجة آمنة: كنا ونحن صغاراً نذهب إلى سوق «الدلعة» وهو سوق مشهور بباعة الكوارع والطعمية والألعاب، وهو المنطقة التي تقع خارج ميدان الخليفة، لأن الميدان كانت تنصب بداخله الخيام وتقام فيه حلقات الذكر. وفي إشارة لافتة كان من بين ما سردته لنا حاجة آمنة أن الزواج كان على أغلب الأوقات في سن مبكرة وهي تزوجت وكان عمرها (10) سنوات، وكانت «الشيلة» عبارة عن ثوبين أبيض وآخر أسود و«فركة»، وأضافت أن «الشيلة» كان يتم إحضارها في «سحّارة» وهي عبارة صندوق خشبي. وعن الزواج هذه الأيام قالت بحزن شديد بدا على وجهها: الزواج هذه الأيام «قيامة.. قايمة» شيلة وصالة وصرف بلا معنى «عشان كده العنوسة زادت». ولإدخال بعض السرور في ذكرياتها سألناها عن أيام الأعياد وكيف كانوا يقضونها، فقالت: في أيام الأعياد تظل بيوتنا مفتوحة على الدوام وكان البلح أهم ما يقدم للزائرين مع «الخبيز» والحلوي، ونجهز للعيد منذ وقت مبكر، وفي عيد الأضحى تجتمع الأسرة كلها في مكان واحد ويتم ذبح أكثر من خروف في اليوم الواحد، لأن آخر يوم لذبح الأضحية هو اليوم الثالث للعيد، كنا نحس أن أم درمان كلها أسرة واحدة، وكنا نقوم بتوزيع اللحوم للمساكين ولا نعرف تخزين اللحم في «التلاجة». وعن ما تتذكره في يوم رفع علم الاستقلال - قالت «اليوم ده ما بتتنسي»، الفرح كان في كل الشوارع والبيوت، لم يكن هناك «زول واحد قاعد في البيت» وصوت تكبير الرجال وزغاريد النساء «لسه في أضاني»، كان فرحاً لا يوصف لحظة رفع العلم، كان الصراخ يغطي على كل صوت، «اليوم داك شفنا الرجال أول مرة يبكوا». وقبل أن نودع الحاجة آمنة وأسرتها الكريمة التي التقتنا بكل الحفاوة والترحاب، رفعت أكفها بالدعاء بالخير الكثير. وقبل أن نختم بقي أن نقول الحاجة آمنة أنصارية ونظمت الكثير من القصائد التي تمجد المهدية والوطن وهي تواظب كل جمعة على عمل «الرز باللبن» وزيت «الكركار» وتقديمهما لطالبات الداخلية التي تجاور منزلها.