بتواضع وأدب جم قلبت الأستاذة الكبيرة الجميلة، بدت " آمال عباس" وهي تقلب أوراق العمر الذي مضى وكأن الذكريات تتقافز متراقصة أمام ناظريها. فرحة غامرة سربلت محياها وهي تستعيد أيام العيد في طفولتها وكأني بها اتخذتها دثاراً تهيم وتغيب فيه عن الحاضر المثقل بالكثير من الإحن ولو للحظات. فكان الحكي مرحاً وممراحاً عندما قالت: طبعاً في طفولتنا كان العيد يختلف كثيراً عما عليه الآن، ومن الأشياء التي علقت بذاكرتي ولن أنساها مطلقاً هي (الحنة)، فقد كنا نخضع لبرنامج وقعدة (حنة) توضع بطريقة جميلة في الغالب تكون ليلاً، وبعد الفراغ منها توثق الأيدي والأقدام بقطع قماش (الأكياس دي جات هسي)، وكنا نترقب وبلهفة وشوق مطلع الفجر حتى نرى لونها وشكلها، وأضافت: في الحقيقة هذا الطقس والمشهد كان يجلب لنا السعادة والحبور ويشعرنا براحة نفسية عميقة، وهذه العملية غالباً ما تأتي في اليومين الأخيرين أو يوم الوقفة. (الريال) قمة العطاء مشهد آخر مثّل أحد مصادر الفرحة وتواشيح العيد هو انتظار (هدوم) العيد الجديدة، مع ملاحظة إنو زمان الكسوة من العيد للعيد، وهي عبارة عن اثنين أو ثلاث لبسات للناس المبسوطين، أما نحن ناس الطبقة الوسطى، فغالباً اثنتان لرمضان وواحدة للعيد، وكانت بسيطة وجميلة، واستطردت "آمال عباس" قائلة: طبعاً في العيد نكون في حالة ثراء قصوى إزاء العيدية التي تنهال علينا من كل حدب وصوب، خالات، عمات، أعمام وخلافه وكانت مجزية جداً، إذ تتراوح ما بين القرشين والشلن والريال، والأخير قمة العطاء، على أن أهم بند في العيد هو اللف على الأهل والجيران (زيارتهم) دون رقيب أو حسيب لتوفر الأمن والأمان وقتها، ساعد على ذلك قرب البيوت من بعضها، فلم تكن هناك امتدادات كما الآن. نبق الدويم و(دوم) بنات الموظفين جزء كبير من طفولتها المتأخرة قضته الأستاذة "آمال عباس" في مدينة الدويم، ومن هناك إلى الذاكرة الفذة احتشدت صوراً ومشاهداً ومواقف كثيرة، قالت عنها "آمال": العيد في الدويم له لون ومذاق خاص، كنا (نلف) على جميع الجيران، وأذكر أن منزلنا كان يطل على شاطئ النيل الأبيض، وعندما كنا نمر بالسوق أثناء جولة العيد، كنا نحن بنات الموظفين نتمتع بوضع خاص، إذ أن جل التجار يعرفوننا، فكانوا يندهون علينا ويهبونا ما جادت به دكاكينهم من لالوب ونبق ودوم وغيرها. طوارئ العيد منذ منتصف رمضان ولم تنسِ الأستاذة أن تشير إلى حالة الطوارئ التي تشهدها البيوت قبيل العيد (من يوم خمستاشر رمضان) من نظافة عامة تتمثل في الجير وغسل الأواني المخزنة والبوهية خاصة (كرعين العناقريب)، لكن (هسي البيت كل يوم في حالة عيد)، فضلاً عن الخبيز والمشاركة في صنعه وتخصيص عجينة لهن (للبنات) يتفنن في صنعها مرة في شكل رجل وأخرى حيوان، وأن أطراف الكعك كانت تنشر بالمنقاش، والله أيام جميلة ما بتتعوض. العيد ( مسيخ) بعدهم وعرجت الأستاذة "آمال" لما اّل إليه حال العيد الآن، وافتقاد التواصل عبر الأزمان والأجيال، وعزت الأمر إلى الحالة الاقتصادية والاتساع والانتشار، وزمان لم تكن المواصلات تقف عقبة في سبيل التواصل، والحوش الكبير تجزأ الآن إلى حيشان، واعترفت الأستاذة "آمال" أنها لا تميل للخروج في العيد اللهم إلاّ للجيران ومن ألمت به مصيبة قبل أو أثناء أيام العيد، لان فقدها لأعزاء لديها في محيطها الأسري ( زوجها، شقيقتها ووالدتها) مسخ عليها العيد والفرحة معاً.