عندما تلاقت نظراتنا في مسجد السيد علي الميرغني بالخرطوم بحري عصر يوم السبت من الاسبوع الماضي، مع أستاذنا الحبيب بروفيسور علي شمو، شاهدت نظرات الأسى في عينيه، وشاهد رقرقة دموعي وأنا أحضنه وكأنه يذكرني بأيام حزينة جمعتنا تمر ذكرى أربعينها في هذه الأيام .. في تلك اللحظات عادت بي الذاكرة الى الثمانينيات والبروفيسور علي شمو وزيراً للإعلام في آخر أيام عهد ثورة مايو... ومن داخل قاعة مؤتمرات الفندق الكبير الحديثة في تلك الأيام بعد تحديث الفندق والذي افتتح في 1902 (القراند اوتيل)، الذي كان يتبع لهيئة السياحة والفنادق (قطاع عام)، والذي ترأسه لفترة طويلة من الزمن، وأخلص له ووهبه عمره وحياته، وقام بتحديثه ولعله من الرجال القلائل، في تاريخ السودان الذي سخر علاقته وقرابته لمسؤول كبير جداً، سخرها لمصلحة مؤسسته وليست مصلحته الشخصية، إنه المرحوم ابوالحسن خليل ابن ودنوباوي العظيم، وابن خالة وصهر الرئيس جعفر نميري شقيق زوجته الحاجة بثينه خليل، كان معه رفيق دربه رجل الأعمال وابن البراري الراحل محجوب محمد علي، رئيس مجلس إدارة هيئة السياحة والفنادق والذي كان له دور كبير في تحديث الفندق الكبير وبقائه صامداً الى يومنا هذا...الرحمة والمغفرة لهما... في تلك القاعة، وفي ذلك اليوم التاريخي من عام 1984 وتحت تشريف البروفيسور علي شمو وفي أول مؤتمر لقبيلة العلاقات العامة السودانية التقي الأحبة.. أستاذنا العظيم الراحل جعفر حامد البشير رئيس القبيلة، ومدير العلاقات العامة بوزارة الخدمة العامة وقتها كان منتدباً مديراً للعلاقات العامة بالمركز العربي للتأمينات الاجتماعية، وهو أحد مؤسسات جامعة الدول العربية، واختير السودان دولة مقر له ولعله باقي حتى الآن، وقد نال شرف رئاسته عدد من قيادات التأمينات الاجتماعية بالسودان صلاح حامد سراج، وعباس محمد سعيد وآخرهم د.خالد يسن... وكان حضوراً في ذلك المؤتمر الأستاذ والمربي الكبير عوض أحمد الذي رحل مؤخراً عن دنيانا، مقدم برنامج (قضايا الناس، ومسابقات المدارس)، بتلفزيون السودان وكان وقتها مديراً للعلاقات العامة والاعلام بوزارة التربية والتعليم... وكان الراحل محمد علي جبارة مدير العلاقات العامة بهيئة الكهرباء والمياه، والشاعر العظيم للاغاني الرائعة للفنان محمد الامين، (وحياة ابتسامتك... وياحاسدين غرامنا.. وكانت الراحلة ليلى المغربي العلاقات العامة بالاذاعة في تلك الأيام وبشرى فرح من البحرية، والرائده فوزية حسن خير الله مركز تطوير الإدارة متعها الله بالصحة والعافية، وهي تباشر مهامها بالمركز وترعى الأجيال وتحافظ على التاريخ، وكان الراحل محمد خيري احمد الممثل البارع (العلاقات العامة للتأمين الاجتماعي)، والفنان علي مهدي للعلاقات العامة بمؤسسة الدولة للسينما، وكان الراحل حسين محمود رياض سفارة سلطنة عمان، وكان الراحل علي بانياب المعاشات، وكان آخر الراحلين اسماعيل عيد ديوان المراجعة القومي. وكانت كوكبة كبيرة من رجال ونساء قبيلة العلاقات العامة يزينون قاعة الفندق الكبير، وكان وسطهم الشاب الهادي الجميل هاشم محمد محمد صالح الجاز الذي تمر علينا في هذه الأيام ذكرى الاربعين على رحيله المر...هذه الذكرى التي تئن ضلوعي لنبأ بقينا ننكره أياماً واسابيع ...اخونا الحبيب هاشم الذي يعني بالنسبة لنا وللكل عقلاً محترماً وفكراً مبدعاً واستعداداً دائماً للعطاء ونموذجاً لرجل الإعلام والعلاقات المثقف الشامل ...عاش تجارب متنوعة وغنية...علاقات عامة – الصحافة إعلام- التدريس- الدبلوماسية... برحيل د.هاشم فقد السودان قيمة كبيرة وقامة عالية وشخصية ذات مكانة رفيعة ليس على المستوى المحلي والعربي والاقليمي، وعلى قبيلتي الإعلام والعلاقات العامة والابداع الإنساني بما خلدته محاضراتك القيمة لطلابك في كليات ومراكز الإعلام والعلاقات العامة، وفي عالم الصحافة بما حملته كتاباتك من عمق وتجليات مشاعر وابحارات في أعماق تاريخ الصحافة السودانية ...وكانت أيضاً أصدق تعبير عن حبك ووفائك وانتمائك لهذه الأرض الطيبة في نهايات السبعينيات عرفت ورافقت أخي هاشم من الصحافة شرق ....الى ودنوباوي ...شارع ود البصير ...الى الحاره30 ... الى المعمورة، ومنذ ذلك الزمان البعيد فهاشم هو هاشم لم تغيره المناصب، طيبته بساطته تواضعه وأدبه الجم ...خجله يجعلك تأنس به وتستمع إليه ....وأسلوبه المهذب تستمتع بحديثه وملامحه السودانية الأصيله من مروي تعطيك راحة وثقه ... عندما نظرت لنعشه يوارى الثري بمقابر الصحافة في ذلك الصباح الحزين، من مطلع عام أطل علينا بالحزن والألم همست له أن يوصل سلامي الى أحبابنا الذين رحلوا من القبيلة والذين وردت أسماؤهم في مقدمة هذه اليومية ...قل لهم إنه مهما طال الغياب ...مهما طال الرحيل ستظل ذكراكم دوماً شمساً لا تغيب عن سماء هذا الوطن الحبيب ...أنني أثق بأن هاشم سوف يفعل ذلك لأنه يفي بالوعد دائماً . في ذكرى الاربعين... يقين لا شك فيه ...نعيه.. نتمثله .. نعيشه .. فلماذا نبدومبهوتين مباغتين كأننا لا نعرف مع أن المعني والمطوي الى زوال حتمي نودعك في ذكرى الاربعين ولا نتوقف أبداً عن الدهشة ...لا نكف عن التساؤل إن بالصمت أو بالنطق كلام . نودعك في ذكري الأربعين . لماذا يسرع الايقاع مع قرب التمام ؟ . لماذا تسرع الخطى وتسرع الحركة عند الدنو ؟ . لماذا يقوى العزم عند نفاد الطاقة ؟ . لماذا يقع التوثب مع صلصلة أجراس الرحيل؟ لماذا تكون أقصي درجات اللمعة قبل الانطفاء؟.... لنا في توثب واندلاع لهيب الشمعة أسوة وعبره إدراكنا غشنا وانتباهنا غضنا ...نودعك في ذكرى الاربعين، وستظل ياهاشم بيننا مهما طال الغياب، ومهما طال الرحيل سيظل اسماً لا يغيب عن أسماء هذا الوطن