حقيقة لم أندهش أبداً للتفاصيل (المثيرة) التي نشرتها الصحيفة أمس عن الاجتماع الذي ضم الترابي وعدداً من قيادات الحركة الشعبية بمنزله أول أيام العيد.. للتفاهم حول استضافة حكومة الجنوب لحركة العدل والمساواة لتنشيط عملها العسكري وتوفير المأوي والملاذ لقادتها، لم يدهشني أن يجتمع رموز من الشعبية بهذا الشيخ المثير للجدل الذي يزحف به العمر نحو الثمانين، فلا غرابة في هذا الاجتماع، بل الغريب ألا يتم توقيف هذا الرجل في حده، فهو لم يتوانَ قط ومنذ مفاصلة الإسلاميين، في الاستعانة بأعداء الأمس والتصالح معهم ومواددتهم وموالاتهم في سبيل إسقاط السلطة القائمة، والتي صنعها هو بنفسه وقادها وفق هواه ومزاجه، وكان فيها هو الآمر الناهي والموجه الأول والأخير لاتجاهاتها وتوجهاتها، والمنظر الأوحد لمنطلقاتها الفكرية والسياسية، وذلك لعقد كامل من السنوات، ثم انقلب عليها وطفق يرميها بالسوء ونذر نفسه وكل طاقاته وجندها لنقض ما غزله من بعد قوة أنكاثاً، متحرياً ومتبعاً للمفهوم العلماني التقليدي للسياسة الذي يقوم على افتراض أنه ليست هناك ثوابت فيها، وأن ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم، وإنما دائماً هناك مصالح تتغير وفق تغير الظروف والأحوال. نقول إن ما يقوم به الترابي ليس بجديد، وهو امتداد لعلاقات بناها عقب إزاحته عن دائرة الفعل أواخر القرن الماضي مع الحركة الشعبية، فقد وقع حزبه علي مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية في فبراير 2001م كانت تهدف أصلاً إلى الإطاحة بالحكومة عبر تحالف وتنسيق تام بين الطرفين لإطلاق(ثورة شعبية) تقوم بها قواعد الحركة الموجودون في العاصمة بالتضافر مع ما يسمى بالمهمشين، وقد جاء ذلك في البند الثاني من المذكرة. إذن ما يقوم به الترابي هذه الأيام هو محاولة لتنفيذ هذا البند الخطير مستعيناً بحركة العدل والمساواة التي اتخذها ذراعاً عسكرياً له يقوم على رأسها خليل إبراهيم الذي أصبح ألعوبة في أيادي كثيرة منها الموساد ولله في خلقه شؤون أن يصبح الترابي موالياً للحركة الشعبية وصديقاً حميماً لها، وهو الذي كان في الماضي القريب يقاتلها ويفوّج إليها كتائب المجاهدين، ويحرص على حضور أعراس الشهداء واتخاذها مناسبة للتعبئة والاستنفار للشيب والشباب للانخراط في صفوف المجاهدين نصرةً للدين والوطن ضد العملاء والمرتزقة والخوارج الذين لم يكونوا سوى الحركة الشعبية والجيش الشعبي. ومن سخريات الأحداث التي تدعو إلى الرثاء على أصحابها وأبطالها، أن يصبح خليل إبراهيم الذي كان في يوم من الأيام أميراً للمجاهدين ضد الجيش الشعبي، أميراً للحرب بالوكالة عن الجيش الشعبي ضد القوات المسلحة وضد المشروع الحضاري وضد المجاهدين، محتمياً بأعداء الأمس الذين لا يجمع بينه وبينهم جامع سوى محاددة الله ورسوله، ولا أرى في ذلك إلا آية من آيات الله الكثيرة في هذا الكون، الدالة على قدرته وعلى علمه بأحوال عباده الذين يتظاهرون بالإيمان ويستبطنون غير ذلك، ولا أرى في ما يقوم به هذا الشيخ وحواره خليل إبراهيم إلا خزياً استحقاه بسبب ما استبطناه من قبل وما كانا يقولانه بأفواههما فقط دون أن يكون له أساس متين في قلبيهما. وينسى الشيخ ومن معه أن من يوالونهم الآن لم ولن ينسوا تلك الأيام الخالية أيام الجهاد والاستشهاد، وأن صورتهم كمجاهدين في الماضي ضدهم، لن تنمحي من ذاكرتهم أبداً.. وأن السعي للانتقام منهم لن يتوقف، بل إن هذا التحالف معهم الآن ليس إلا ضربة البداية في مشوار الانتقام والثأر.. وما أنكى وما أشد إذلالاً وظفراً بالعدو من أن يستجير بك ويصبح طوع بنانك معتمداً على عونك وناشداً لمددك وفضلك وإحسانك.. متطلعاً لنصرتك.. مقتاتاً من موائدك.. وأمره كله ملك يديك، لا أظن أن هناك من الخزي أكبر من هذا الذي هم فيه وما ينتظرهم أكبر لو كانوا يعلمون. إن ما تكشّف من أمر الشعبي وما يدبره مع الشعبية، هو بكل المقاييس هزّة كبيرة ستعقبها أخريات أتوقع أن توقظ كل من له ضمير وطني وحس وغيرة على دينه ووطنه داخل المؤتمر الشعبي للتبرء منه أسوة بالذين أدركوا حقيقة ما يدبر له كبيرهم من أعمال لا تخدم الدين والوطن في شيء وآخرهم الحاج آدم هذا الذي كان أميناً مع نفسه، مستبرئاً لدينه من أن يرتهن نفسه ويوظفها خدمةً لأهداف الصهيونية التي تسعى بالمكشوف للفتنة وتفتيت السودان باعتراف أحد قادة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مؤخراً، مما لم يعد خافياً على أحد. إن وأد مثل هذه المؤامرات والقضاء عليها من أوجب واجبات الحكومة، إعمالاً لحقها الأصيل في توفير الأمن وبسطه ونشره بين الناس وحفظ دمائهم من أن يهدرها ويريقها هؤلاء الموتورون في سعيهم المحموم لاستعادة مجد زائف.. وجاه ضائع.. وصيت خابي ونجم آفل.