لعل شاعر أفريقيا وآسيا تاج السر الحسن لم يكن يعلم أن رجلاً كانت صرخته الأولى في أرض الجزيرة اسمه سوكارنو عندما كتب قصيدته «انشودة آسيا وأفريقيا» والتي يقول فيها لست أدري فانا مازرت يوماً أندونيسيا أرض سوكارنو ولا شاهدت روسيا فحسب صديقه سليمان خالد، فإن شاعرنا لو كان يعلم بسكارنو السودان، لما ذكر أندنيسيا.. الرجل الذي ولد في العام 1959، يقول مقربون منه إن والده أبوعاقلة كان متأثراً جداً بشخصية أحمد سوكارنو زعيم أندونيسيا الثائر، فكانت قد حبلت زوجته ولازالت تداعيات مؤتمر باندونق حديث مجالس أهل السودان تحكي عن موقف الزعيم الأزهري الذي انتصر لشعبه ب«منديل» نهرو ليعلن أن السودان بلد حر مستقل ذو سيادة.. ويشيع من داخل المدينة الأندونيسية الوحدة مع مصر إلى مثواها الاخير .. في تلك الحقبة شهدت مدينة ود مدني صرخة ميلاد سوكارنو التي شكلت نوعاً من الأريحية والرضا ورسمت الابتسامة على شفتي والده، وقد كان يحلم بمولود ذكر حتى يخلد به اسم زعيم أندونيسيا في السودان. نشأ سوكارنو في أسرة وسطية التوجه أزهرية المذهب اتحادية ثائرة، فجده لابيه أبوعاقلة خوجلي كان قد مثل الحزب الوطني الاتحادي بزعامة الأزهري في أول مجلس بمديرية النيل الأزرق.. و تشربت أسرته من مبادئ الحزب الاتحادي، علاوة على أنها تنتمي إلى قبيلة المغاربة العريقة التي تقطن وسط البلاد في مساحات تمتد من مدينة سوبا وحتى مدينة دوكا، بيد أن عائلة سوكارنو تنقلت بحكم وظيفة جده الذي كان يعمل قاضياً في المحاكم الشعبية، ثم تجولت أسرته الصغيرة مع والده الذي كان من كبار الموظفين في مشروع الجزيرة، ومن باب «شق البلاد علم» حسبما يقول المثل الشعبي فإن سوكارنو نشأ وسط أسرة تحب العلم فأخذ ينهل من معينها وعلمها وشرب من منهل الأزهري العذب ثم ابتدر تعليبمه النظامي بمدرسة ود الشافعي بمحلية الحصاحيصا، وبعد أن أكمل تعليمه الابتدائي بتلك المدرسة انتقل مع والده إلى منطقة المدينة عرب ودرس جزءاً من تعليمه المتوسط هناك، ثم غادر مع أسرته إلى ود مدني وأكمل المرحلة المتوسطة بمدرسة الأميرية بود مدني ثم مدرسة المؤتمر الثانوية، ومنها غادر البلاد ليكمل تعليمه الجامعي بجمهورية مصر العربية، حيث حصل على بكالريوس الهندسة المعمارية، ربما تقليداً لزعيم اندونيسيا سكارنو الأكبر، الذي تقول سيرته الذاتية أيضاً أنه مهندس معماري ثم عاد إلى البلاد وواصل تعليمه فوق الجامعي وحصل على الزمالة من أكاديمية السودان للعلوم الإدارية، ولازال حتى الآن ينهل من معين التعليم بعد أن فكر في المحافظة على ميراث جده أبوعاقلة العلمي والتحق بكلية القانون جامعة النيلين ولازال يجلس في قاعة الدرسة هناك رغم ظروف عمله الخاص كمهندس معماري إلى جانب عضويته في مجالس الولايات ممثلاً للحزب الاتحادي، بعد أن غادر كرسي الوزارة الوثير بولاية القضارف، حيث شغل منصب وزير تنمية الموارد البشرية.. ولم يجد سوكارنو بُداً من الفكاك من ميراث الأسرة السياسي والانتماء لقبيلة الوسط السوداني، يقول عن نفسه في هذه الجزئية، إنه فتح عينيه على صور الأزهري ومبارك زروق تزين جدران منزلهم المتواضع، ثم سمع بأذنه وهو طفل لم يبلغ الحلم بعد وقع قدمي الأزهري وزروق، كلاً على حدا على «بلاط» المنزل، حيث كان الزعيمان يزوران منزل الأسرة كلما دفعتهما ظروف العمل إلى مدينة ود مدني.. ويواصل سوكارنو في سرد بدايات انضامه الرسمي إلى الحزب الاتحادي، ويقول انه في العام 1986 كان له شرف اللقاء الاول بالشريف زين العابدين الهندي، وهو قادم للتو إلى البلاد من المحروسة ويبحث عن موطء قدم في بلاده حتى ينزل ما اكتسبه من علوم هندسة المعمار إلى أرض الواقع، وكانت مناسبة اللقاء أنه دفع إلى الشريف بخطاب سابق طالب فيه الحزب بالمركز بإقامة مكتبة بدار الحزب بمدينة ود مدني، وكانت مطالبته قد حظيت بالموافقة الفورية على إقامة المكتبة بيد أن انقلاب الجهة الإسلامية على السلطة وقف حائلاً دون تحقيق حلم سوكارنو. لم يكن زميله في الحزب أو شقيقه في التنظيم كما يحلو للاتحاديين أن يتنادوا بهذه التسمية سليمان ليخفي جانب من حياة الرجل، فقال في حقه «إن سوكارنو صاحب نضالات عظيمة ويتمتع بحكمة في ممارسته للعمل السياسي»، لكن مقرب منه قال إن الرجل عصبي ومتشدد في مواقفه ومتطرف في حبه للحزب، إلا أن سليمان نفى عن زميله تلك التهمة بقوله إن سوكارنو يرقد في منطقة وسطى بين التطرف والاعتدال، وقد نهل من حكمة الشريف زين العابدين ومزجها بثورية الشريف حسين الهندي بيد أن سوكارنو قال عن نفسه إنه يتطرف في الدفاع عن القضية التي لا تحتمل التنازلات ويعمل الحكمة في مواقفه العادية، لكن سليمان خالد يضيف أن الرجل متطرف جداً في موقفه الرافض لما أسماه الشريف زين العابدين الهندي بالغيلان الأربعة «الطائفية والإسلام السياسي والفكر الوافد والتزيف المتعمد» ، ولربما كانت الوصفة التي قدمها سليمان أقرب إلى شخصية الرجل الذي تمرد في الأيام القليلة الماضية على الأمين العام لحزبه جلال يوسف الدقير، فقد ظهر تطرفه في ثورته التي قادها مع زميلته في الحزب إشرقة سيد محمود، وهو يهدد الدقير بقدوم طوفان الغرق الأخير ويطرح مطالب ربما يعتبرها الدقير تعجيزية، وهو ينادي إشراقة بأبيات تحاكي قصيدة عصماء للشاعر الحسين الحسن: شقيقة عمري تفشى الخبر ... وذاع وعم القرى والحضر..