أبوعركي البخيت، ذلك الصوت الذي ينداح إلى الوجدان بلا استئذان فيحيل المساحات البور إلى مروج خضراء ويبعث فيها الأمل والإشراق، إنسان فنان بمعنى الكلمة، تخطى حواجز الزمن بأسلوبه المميز في التلحين ومعانقة النغمات..أبو عركي البخيت الطيب من مواليد مدينة مدني المعطاءة الحُبلى بفنون الإبداع، كانت صرخته الأولى عام 1948م، ولد فناننا في بيئة تتنفس الإبداع ووجد أمامه عمالقة الفن محمد الأمين، محمد مسكين وغيرهما. بداياته: كان منذ صباه يهوى تقليد الأصوات وكان بارعاً في تقليد آلة الترومبيت والأغاني الهندية والغربية التي كان يحفظها عن ظهر قلب، كما كان يقلِّد فنانه المفضل شرحبيل أحمد.. وفي تلك الفترة كان بحاجة ماسة إلى تنظيم فني يصقل موهبته انضم إلى فرقة الصبيان بالخرطوم، وهو لم يزل صغيراً، ولم يعرفه الجمهور إلا من خلال أحد مهرجانات الفرقة، حيث التقط المذيع المخضرم عمر عثمان إحدى الفقرات التي كان يؤديها أبو عركي فكانت بمثابة نافذة أطل من خلالها على الجمهور، وبعدها رجع إلى مدينته مدني ليلتحق بفرقة «أصدقاء الفن»، وكان رئيس الفرقة في ذلك الوقت الأستاذ الصحافي فضل الله محمد، ومن أبرز مطربيها الفنان محمد مسكين وعبد الفتاح خضر والأخير هذا هو شاعر وملحن وهو الذي كان له الفضل في تحويل أبو عركي من مرحلة التقليد إلى مرحلة التأصيل، حيث قدم له أول عمل فني بعنوان «حلمك وارحم» ليجد نفسه في عمق التجربة الفنية ليبدأ تجاربه مع الموسيقيين، وعلى ألحانه مستعيناً ببعض أغنيات الحقيبة من ضمن تلك الروائع أغنية «عزة الخليل» والتي مازال أبو عركي يبدع فيها وأغنية «من بف نفسك يا قطار»، وفي أحد تلك المهرجانات التي كانت تقيمها الفرقة وبالتحديد في مدينة سنار في حفل خيري قدمه الأستاذ الصحافي فضل الله محمد للجمهور، وكانت أول مرة يقف فيها على مسرح ترتاده أعداد كبيرة من الجماهير، وغنى في تلك الليلة كما لم يغنِ من قبل وبعد عودته إلى مدني استطاع أن يقدم أغنيته الثانية «دنيا» من كلمات الشاعر فضل الله محمد ومن ألحان أبو عركي، وفي عام 1962م اختير لتمثيل المديرية في مهرجان المديريات الذي يُقام بالعاصمة على عهد الرئيس إبراهيم عبود.. ثم بدأت مرحلة تعاونه مع المطرب الكبير محمد الأمين الذي ترك تأثيراً ظاهراً في أسلوبه وعزفه الرائع على آلة العود. التحاقه بمعهد الموسيقى والمسرح: وقد أضافت له تلك التجربة العلمية رؤى فنية عميقة شكَّلت مكوِّنات إبداعه وهذا الالتحاق غيَّر في مسار أبو عركي الفني، فصارت موسيقاه مُفعمة بالحوارات النغمية الكاملة، ووجد أيضاً شريكة دربه في ذات المعهد تلك السيدة ذات الصبر الشديد والشفافية العالية والإرادة الحديدية والثقافة الرفيعة العالية والطموح المشروع «دكتورة عفاف الصادق» والتي كان لها فيما بعد عدة أعمال شعرية وجدت هوي عند الزوج الفنان فغرد بها لجمهور.. وفي أثناء دراسته بالمعهد بدأت مواهبه وإمكانياته المختفية تظهر أكثر فأكثر في شكل أعمال بدأت تعطي ثمارها أغنياته: جاءت أغنية «بخاف» التي كتب كلماتها الشاعر حسن السر والتي فازت بالجائزة الثانية لمهرجان الأغنية العربية بدمشق، ثم بدأت تظهر ملامحه في الأغنية النوبية العنيدة التي رسمها شعراً الأستاذ محمد حسن ثم تلك الرائعة التي تصور الحبيبة التي جلبت ضوء القمر وخبأت النيل «عن حبيبتي بقول لكم» التي صاغها شعراً الشاعر سعد الدين إبراهيم، وأغنية «المسؤولية» للشاعر اسحق الحلنقي التي كانت بمثابة نقطة تحول في غناء عركي وفي الغناء الوطني بصفة عامة، ثم قدم له الأستاذ عبد الكريم الكابلي «جبل مرة» شعراً ولحناً كأعظم هدية فنية أشبعها أبو عركي برؤاه العميقة فصارت لوحة رائعة مجَّدت سحر الطبيعة ثم شكَّل مع عوض جبريل لونية متميزة كانت سماتها في أغنية «وضاح المحيا» وزيتونة لكامل عبد الماجد وجسمي انتحل مع حسين حمزة. صفاته: يقول الشاعر و الكاتب الصحفي بأخيرة المجهر الأستاذ سعدالدين إبراهيم إنه من الأشخاص النادرين الذين يقفون معك في السراء والضراء، ويضيف إبراهيم أن أبوعركي قارئ ممتاز ونهم ومتابع للصحف اليومية وحريص في إعطاء كل زي حقه وأكثر من حقه،إنسان حنين ورقيق وعطوف ومجامل.. ويقول الشاعر الحلنقي إن أبوعركي «شايل هموم الناس» إنسان فنان نبيل لم يسمع أحداً كلمة موذية، ويضيف الحلنقي أن أبوعركي من أعظم الفنانين الذين مروا على ساحة الغناء السوداني.