التقيت صدفة بحاج سوداني شاب قادم من السويد ضمن حملة من مسلمي هذا البلد ، الرجل ارتاح إلى خلقتي الكشرة فترك القوم الذين كانوا بصحبته وبدأ في الفضفضة معي عن هجرته وقلقه على مستقبل أبنائه خصوصا البنات المولودات في الغربة ، الرجل قال انه جاء في رحلة إيمانية لنسيان حالة القلق التي يعيش فيها منذ سنوات طويلة ، طبعا في تلك اللحظة فتح صاحبكم العبد لله اذنية إلى آخر مدى لسماع فضفضة الرجل ( القلقان ) ، المهم صاحبنا قال انه عاش ظروفا صعبة في السودان طاردته في مجال عمله وأسرته وحياته بصورة عامة ما جعله يفر بجلده إلى صقيع الشمال ، لكن بعد ان راحت الصدمة اكتشف ان العالم كله جحيم فرغم حياته المرفهة نوعا ما في السويد لكنه يعيش في قلق دائم ولا يدري هل يواصل رحلة هجرته التي لا يعرف متى تنتهي أم يعود بخفي حنين إلى السودان، ويبدأ في رحلة الشلهتة وكيفية كسب لقمة العيش ، قلت لصاحبي ان الحال من بعضه وان هناك الملايين من أبناء الشعب السوداني في الداخل والخارج يعيشون في نفس الصدمة ، صاحبنا الحاج قال ان النوم جافى عينيه في الأشهر الماضية واثر ذلك على عمله ، فأخذ اجازة لمراجعة حساباته غير ان واحدا من جيرانه السويديين نصحه بضرورة مراجعة طبيب نفساني للكشف عن حالته ، وحسب قول صاحبنا فقد طرق باب عيادة طبيب نفساني وفي الجلسة الأولى استمع الطبيب إلى سرد عفوي عن حياة الرجل ونشأته وملابسات الحياة في موطنه الا صلى وظروف هجرته وفي النهاية ابلغه انه لا يوجد علاج ناجع لحالته طالما انه سوداني ، الطريف في الموضوع ان الطبيب النفساني السويدي أكد لصاحبنا ان لديه مرضى مهاجرون من بلدان العالم الثالث واكتشف ان قلقهم من النوع الذي ليس له علاج على الإطلاق ، على فكرة جميع إفراد الشعب السوداني مصابون بمتلازمة القلق ، ومن وجهة نظري المصابة بالعمش ان القلق المتواصل في السودان بدأ ينتشر في إرجاء الوطن بعد ان جاء الإنقاذيون إلى السلطة بشعاراتهم التي تلاشت معظمها مع رياح السنين والتغيرات وحراك الحياة ، قلق يا جماعة الخير ليس له مثيل في العالم اجمع ، فالطالبات والطلاب في السودان يعشون في موجات عارمة من القلق بعد التخرج ويجلسون على دكة القلق بانتظار قطار الوظيفة الذي ربما لا يصل ابدا إلى محطاتهم ، وبعض هؤلاء يفكرون في كيفية الهروب من السودان ويبدأ القلق يعشش في تفاصيل حياتهم ، إما القلق الأكبر فهو القلق الذي يعيشه المواطن السوداني منذ ان يفتح عينيه من رحلة النوم ، قلق في كيفية تدبير أمور معيشته وتعليم أولاده وقلق على الحالة العامة في السودان ، لكن اسمعوني ولا يهمكم يا جماعة الخير نحن شعب نحب القلق وهو مرتبط بجيناتنا الوراثية ويكفي ان هناك لاعب شهير في الفرقة الحمراء لقبه ( قلق ) ، وابشروا بملايين الذين سيحملون رتبة قلق بعد الانفصال، ويا قلق يا قلق أتقلق بين الحلوين اتدلع .وسلمولي على القلق .