أعلنت مجموعة جديدة في حركة العدل والمساواة التي يقودها جبريل إبراهيم، انشقاقها عن الحركة، الأربعاء، ووصل أفرادها بقيادة القائد الميداني مهدي آدم إسماعيل، إلى نيالا عاصمة جنوب دارفور، واختارت المجموعة الجنوح لخيار السلام. ويعد إنشقاق مجموعة مهدي إسماعيل، الثالث من نوعه في حركة العدل والمساواة، عقب مغادرة مجموعة عبدالكريم "دبجو"، ومجموعة منصور أرباب التي التحقت بالحوار الوطني في الأشهر الأربع الماضية . مايلفت النظر في هذا الخبر هو أن أولئك الذين يعلنون عودتهم من الميدان إلى الداخل الوطني من بين قادة هذه الحركات المسلحة ، أنهم يبدأوا إفاداتهم لأجهزة الإعلام بإنتقادهم لماهو عليه وضع الحركة المسلحة التي إنسلخوا عنها . وينصب جوهر ومضمون هذا الإنتقاد – الذي هو إعتراض وإختلاف صريح في الرأي – مع قيادة الحركة المعينة حول جدوى الإستمرار في القتال والبقاء بعيدا عن أرض الوطن في دول الجوار تحديدا بدولة جنوب السودان . كمايكون البقاء بهدف البحث عن ملاذ آمن داخل بلد هو في الأساس يكابد ويلات الإنفلات الأمني منذ عامين ، مخاطرة غير مأمونة العواقب خاصة إذا كان على هذه القوات – كماحدث في مرات سابقة – أن تقاتل إلى جانب أحد أطراف النزاع هناك . وبالمقابل ، وعلى ضفة الحكومة ، تترتب إلتزامات عديدة تجاه هؤلاء المقاتلين العائدين من الميدان ، وثمة إتجاه سياسي واعي يجتاح دواخل هذه الحركات المسلحة أنتجته متغيرات واقعية لامفر من التعامل معها بالموضوعية الكافية . لأن تزايد أفراد المجموعات المنسلخة عن هذه الحركات في داخل الخرطوم أو نيالا وغيرها ، يتطلب إعادة النظر في مفاهيم وآليات الدمج والتسريح لتشمل (مواعينا جديدة ) لغرض إستيعاب هذه المجموعة بطريقة غير (عسكرية ) . بإعتبار أن عملية (إعادة التدريب ) والعودة للميدان في صفوف الحكومة مهما كانت أهميتها ، ماهى إلا خطوة بإتجاه التطبيع السياسي بين هؤلاء العائدين والحكومة ، ليكون التطبيع على أساس إجتماعي وخدمي وإنساني هو الأهم في هذه الحالة . وبعد طى ملف المعالجات الجزئية الذي لطالما عانت منه الحكومة في السابق ، يأتي الإتجاه الواقعي نحو تضمين آليات جديدة للتعاطي مع هذه المجموعات المسلحة في ولايات دارفور الكبرى وغيرها بمخاطبة الأسباب الأساسية التي حملتهم على الحرب . كل ذلك ، وقرائن الأحوال في دارفور تشير إلى أن خطط التنمية الإجتماعية القائمة على إكمال مقررات الخدمات الأساسية ومشروعاتها إذا كان على صعيد السلطة الإقليمية أو ولاة الولايات أعطت أكلها وإن لم تكن بقدر طموح هؤلاء الأهالي . وكذلك تكون وثيقة الدوحة بمرونتها الكبيرة قادرة على توسيع مظلة (المعالجات الكلية ) لأثار الحرب في إقليم دارفور على أسس تضمن إستدامة السلام هناك من خلال (إعادة الهيكلية ) في الجسم الإداري الذي يشترط بحسب الوثيقة أن يكون (قوميا) . وهذا يفسر أن عودة هؤلاء المقاتلين من الميدان إلى الداخل برغبتهم وإرادتهم الحرة بمثابة توقيع على هذه الوثيقة ، وهذا أيضا ماتحتاجه الحركات الموقعة عليها من إجماع أهل الإقليم على ماورد فيها وهو الأمر الذي يعزز أهمية منبر الدوحة في قضية دارفور . ولكى تتجنب الحكومة أخطاء الماضي في عدم إنتهاز الفرص السانحة مثل عودة هؤلاء المقاتلين يكون عليها أن تسرع في تأسيس وتشكيل المجلس القومي للسلام الذي أجمعت عليه بعض لجان الحوار الوطني لأنه هو الجسم الأنسب لمقابلة مرحلة الإعمار في دارفور . أما أن يتوقف البعض عند حدود التفكير التي تعطي إستخلاصات متعجلة مثل أن (عودة هؤلاء المقاتلين جاءت نتيجة لعدم قدرتهم على مواصلة القتال بسبب ضعف الموارد الذاتية وخلافاتهم مع قادتهم وغيرها ) فهذا ليس منطقيا الأن على الأقل . لأن عودتهم وفقا لقناعة راسخة جاءت بها تجربة القتال في الميدان ، تفسر وعلى نحو صريح بأنهم يفكرون على نحو إيجابي في وقف نزيف الدم وتجربة الحوار مع الطرف الأخر وهذا ليس نهاية الصراع وإنما هى بداية من نقطة جديدة لتحقيق هذا الهدف . وإن الذي يقبل على السلام بإارادته جدير بالإحترام ويستحق كل الإهتمام بعيدا عن أي إجراءات بيروقراطية في إنفاذ مرحلة التسكين والإيواء – غير العسكري – الأولى في أن تتم عملية التحويل الإجتماعي لهؤلاء المقاتلين في مناطقهم وليس في الخرطوم . وإن على هؤلاء الذين إنحازوا لخيار السلام أن يتركوا أثقال الماضي خلف ظهورهم وينخرطوا في أداء واجب الوطن بمجتمعاتهم المحلية في مجالات الزراعة والصحة والتعليم والرعى وترميم ماتمزق من النسيج الإجتماعي بهذا الإقليم الكبير . وإذا المجلس القومي للسلام في السودان قد جاءته مداولات لجان الحوار الوطني في الفترة الماضية من داخل قاعة الصداقة ، فإنه هذه المرة يجيء كخيار شعبي رفعته بقوة هذه الإرادة الحرة لأبناء السودان في دارفور وهم يقبلون الحوار بديلا للبندقية . ويبدو أن موسم العودة إلى الوطن قد حان ، فليكن أطول المواسم وأكثرها خصوبة بعد أن طالت مواسم النواح والعويل في معسكرات النازحين في هذا الإقليم الذي بات أحوج للسلام والأمن الأن أكثر من أي وقت مضى .