الأهل بمناطق النزاع والحروب بكل من دارفور الغرة، وكردفان أم خيراً جوة وبرة، النيل الأزرق بلد الزراعة والغلة وشرق السودان تجاه القبلة والمصلى.. أنتم أصحاب الحكمة والرأي وأصحاب العقد والحل وأصحاب المجد والتاريخ والتراث... أنتم أهل اللوح والدواية وأهل العلم والقلم والدراية... أنتم أهل الجبال والسفوح، وأهل الفيافي والرمال والجروف... أنتم أهل السعية أهل البقرة الحلوب والناقة العشارية.. أهل الضبيحة والتقابة والتكية أهل الكوزي والراكوبة والقطية... الكل في هذه البقاع الطاهرة الشريفة الأبيّة، فقد الأعزاء، الكرماء، النبلاء،.. ورُملت النساء ويُتم الأطفال وأُهلك الحرث والنسل ظلماً بلا سبب أو جنية، فكان النزوح واللجوء، وقُطعت أواصر المحبة والتواصل ، وقُطعت الأرزاق وعاش الناس في ضيم وضنك وعناء سرمدية.. ومن قبل كان التصاهر والتآخي والتواصل والتعايش قيمة إنسانية، بالرغم من تباين الأجناس، واختلاف اللهجات، اللغات، السحنات، الديانات، العادات والتقاليد القوية. لديهم هوية واحدة انصهروا فيها وشكلوا منها (هوية السودان القومية) متجاوزين القبلية مصداقاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ * إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) صدق الله العظيم . فكيف للناس أن تقتتل وتزهق الأرواح، وديننا وصى بالعفو والسماح (لا تهجر أخاك فوق ثلاث ليال. أنتم أمة قوية طاهرة أكرمها الخالق جلَّ وعلا بسمات قليلة نادرة وبأرض غنية بالموارد في باطنها ظاهرة، وحبانا الله جلَّ في علاه بالتنوع، قلما يوجد مثيل له في الحياة.. فمن الواجب أن نلم شملنا ونتحد ونتجه صوب البناء والتعمير وترك الحروب والصراعات والقتل والتدمير، أهلنا في كل بقاع الوطن الحبيب نحن مشفقون وقلقون على ما يدور من حروب ليست لها معنى سوى أنها ولدت الشحناء والبغضاء، ومزقت أواصر المحبة والتواصل والإخاء. أحبتي ظل الوطن مريضاً طريح الفراش وبعد ستين عاماً من الاستقلال تقاذفته (الأزمات سياسية، إقتصادية إجتماعية وأمنية).. والتجاذبات الضيقة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي حتى أصبحت أزمة الوطن من أكثر أزمات القارة السمراء تعقيداً. ولعبت الاستقطابات السياسية والمكاسب الحزبية الضيقة أسوأ الأدوار، وهي تدمير الذات وتدمير بنية الدولة وأسهمت بقدر كبير في بروز الحركات المسلحة التي نشأت على أساس عرقي جهوي عنصري، مما أدى إلى خلخلة النسيج الإجتماعي. الأمة السودانية في حاجة إلى كل جهد وكل يد تمد بيضاء من أجل العون ... الأمة السودانية لابد لها أن تنتهج ثقافة الإنتاج والإنتاجية ... وأن ترمي شعار الاستهلاك والاستهلاكية حتى تؤمن موقفها من الاكتفاء ذاتياً وتقوى... وكما ورد في الحديث الشريف ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) ... فبزيادة الإنتاج والإنتاجية تنهض الأمم ومن لا يملك قوته لا يملك قراره ... عدم الإنتاج أوقعنا في مصيدة الفقر، الذي قال فيه الإمام علي كرم الله وجهه (لو كان الفقر رجلاً لقتلته).. والفقر من عوامل ارتكاب الجريمة خاصة مع غياب الوعي وضعف الوازع الديني... فعلينا جميعاً أن لا نركن لليأس ونصاب بالإحباط وقديماً قال أحد الشعراء : إذا اشتدت رياح اليأس فينا ... يعقب ضيق شدتها رخاء فبعد العتمة الظلماء نورا... وطول الليل يعقبه الضياء. أمانينا لها رب كريم... إذا أعطى سيدهشنا العطاء. نحن نحلم بوطن للجميع وطن المساواة والعدالة الإجتماعية، وطن المواطنة والحقوق فإن فصل الجنوب والحروب التي تدور رحاها قضت على الأخضر واليابس، وستظل عاراً على الجميع وبقعة سوداء في الجبين مدى الحياة، إلا إذا انصلح الحال وعاد الوطن كما كان سابقاً وزيادة. فلنتحد جميعاً ونلم شملنا زراعاً ورعاة، تجاراً ومثقفين، أحزاباً وحركات مسلحة، كتاباً وعلماء، شيباً وشباباً، رجالاً ونساء ونهتف بشعار هيا للبناء ... هيا للتعمير ... هيا للتعاضد والنهوض بالسودان نحو التطور والنماء والازدهار .. علينا جميعاً بناء الثقة والطمأنينة بيننا وقبول الآخر فكراً وثقافةً وتاريخا ... علينا إفشاء السلام وتعزيز أواصر التواصل وتزكية ممسكات الوحدة الوطنية، والنظر باستراتيجيات متقدمة من أجل التنمية المتوازنة (ربط البلاد بشبكة المواصلات والاتصالات والكهرباء والمياه والصحة)، وإحداث ثورة صناعية كبرى بدعم صغار المنتجين الحرفيين وتطويرهم ورعاية المبدعين كل في مجاله وتقليل الهجرة غير المدروسة وتقنينها، والاحتفاظ بالكوادر والكوادر المساعدة وتوظيفها وتعزيز حقوق الإنسان... وعلينا العمل الجاد على إيقاف صوت السلاح، وأن الحرب لن ترد المظالم طال أمدها أو قصر تنتهي بتعميق الجراح وزيادة الفتق والشرخ، وتباعد القلوب... فلنتجه إلى بناء الوطن بمعيار الكفاءة وحفظ الحقوق. بعد 60 عاماً من الاستقلال طرحت الهوية في الحوار كقضية للنقاش، ونقول للجميع والمتحاورين إن هوية السودانيين حددت قبل 60 عاماً بأنها (الهوية القومية) والتي وصفتها «ويكيبيديا» بأنها شعور الشخص بالانتماء إلى دولة أو أمة، ويعرفها قاموس إكسفورد بأنها إحساس أمة واحدة متماسكة، ممثلاً في التقاليد المميزة والثقافة واللغة.... فلنقوي الهوية القومية ونجعلها أكثر تماسكاً فإنه خير للدولة والأمة السودانية... فالهوية القومية (تؤسس على التنوع العرقي والثقافي) وعلينا بناء الثقة واحتضان ثقافتنا المتنوعة والاستفادة من مزاياها... إن الهوية القومية الناجحة هي أن يشعر أي مواطن في بلده بالفخر والانتماء لها. نتمنى أن يتمسك السودان بهويته القومية والتفاعل مع حضارته التي تمكنه من مواجهة التحديات المقبلة، والعبور إلى بر الأمان، وبهكذا نهج سوف نبنيه البنحلم بيه يوماتي، وطن حدادي مدادي من (أم دافوق) إلى الكرمك وقيسان، ومن دار أندوكة إلى حلفا وبورتسودان ... بالتساوي في التنمية المتوازنة والحقوق والمواطنة وجعل الوحدة وممسكاتها خيار الأمة عشان نقول الهوية سوداني الهوية سوداني... والله ولي التوفيق .