ترى هل ستكون هذه قمة سقف هذا الوحش الكاسر النهم الذي ابتلع كل شيء، وازدرد أي شيء (الغلاء) الذي ضرب هذا الوطن الطيب وعصف بإنسانة المسالم.. أو هذا الغول الخرافي الرهيب. لقد عاشت أجيالنا الرخاء وتنعمت بكل مباهج الحياة الهانئة والوفرة والحياة الحلوة الرغدة والحمد لله الذي جعلنا من (جيل) المعاصرة الذي شبع حتى التخمة وتذوق الحلوة لذا فإننا لا نمانع من تذوق المرة ونرجو أن تكون عارضة بثبات المؤمن الذي يقتنع ويقر بأن الدهر يومان الأول لك والثاني عليك. لكننا نأسف ونتأسف للأجيال الصاعدة (الشباب) ومن هم على قاعدة سلم الحياة الذين بدأوا مشوارهم الحياتي مباشرة ( بالمرًّة) بهذه الصفعات القاسية التي شلت تفكيرهم وأربكت حساباتهم وتعاطيهم الأسري والاجتماعي والوطني والنفسي وللضرورة أحكام ليس لدينا لهم سوى المواساة والتعزية والدعاء بأن يبدل الله الحال إلى أحسن والتوسل إليه ليكشف الغمة.. ويجلي الظلمة ويزيل الظلم والظلمة. قادني إلى هذا الحديث ارتفاع الأسعار وأزمة المعايش والتفكير في إمكانية وكيفية أن يواجه السواد الأعظم من أبناء شعبنا هذه الكارثة ولكم أن تتخيلوا أن سعر الإبرة، والكبريتة، وموسى الحلاقة، وقلم الرصاص وصل إلى الضعف ناهيك عن أسعار بقية المواد والسلع الضرورية والاستهلاكية!!. هذا تمهيد وأرضية انطلق منها إلى موضوعنا عيد الأضحى مشاهد ومتابعة وصور ومعايشة جعلت الكثيرين يرددون وفي(تورال جماعي) ياليت دونك بيد دونها بيد كنا نحس ونعتقد أن الشعراء يتبعهم الغاوون وأن كل أشعارهم بنت الخيال والهرطقة التي ليس لها موقع سوى وادي عبقر ولكن أثبتت التجربة والواقع أنهم يترجمون حقائق وواقع حياة شعوبهم ويصورونها بصدق ودقة متناهية. ومن حيث بدأنا حديثنا أو ملاحظاتنا (عن العيد) تجىء الحقيقة المرة ومنطلقها الأسواق وملجات الخضر والفاكهة واللحوم التي تحولت إلى لهب ونار فالعاملون هنا يعتقدون أن مناسبة الأعياد موسم للثراء واكتناز المال فرفعوا أسعار سلعهم وبضاعتهم لينهبوا كل ما في جيوب (عمال) وأفندية العاصمة المثلثة كان الله في عونهم فهم دائماً الضحية الأولى في الأعياد قبلها وبعدها. الخراف هي الأخرى لم يقترب منها إلا القلة ونوعية معينة من المواطنين المقتدرين الذين دخلوا هذه الأسواق وخرجوا منها بضحاياهم الضخمة وبالذبح السمين فهم دفعوا بدون (مفاصلة) في القيمة أو السعر الخرافي الذي طلبه بائع أو تجار الماشية الجشعين. اكتظت بعض المخابز والأفران بالأحياء الشعبية بأواني وصواني(الخبيز) التي جاءت بها العديد من الأسر ذات الدخل المحدود فكانت ضحاياهم وخرافهم الكعك ومشتقاته ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. حدث انخفاض نوعي في أسعار الخراف في اليوم الثاني والثالث بعد العيد إنه أسلوب اتبعه بعض خبراء هذه الأسواق من جمهور المشترين الذين اكتسبوه خلال تعاملهم مع السوق وتجار الخراف والسؤال هو هل هي أضحية أم كرامة؟ مهما يكن من أمر فإنهم تفادوا ارتفاع الأسعار خلال الزحام وتم تسجيل أسمائهم في قوائم (وبطاقات) المضحين والله أعلم. شهدت العاصمة زحمة نوعية في مواقف المواصلات والبصات السفرية تسبب فيها الكثيرون من المواطنين والأسر التي آثرت السفر إلى الأقاليم للمعايدة مما تسبب في ارتفاع أسعار التذاكر وبذلك شهدت شوارع العاصمة ومدنها الثلاث انخفاضاً وانفراجاً في أزمة الازدحام وحركة المرور.. وكذلك خفت زحمة الأسواق وتكدس الشوارع ومواقف المواصلات الداخلية بحكم سفر هذه الأعداد. انتظمت الحدائق والمنتزهات والكازينوهات حركة دائبة من الأسر والأطفال والصبية والشباب وكذلك المراجيح المنثورة هنا وهناك في الحارات السكنية والأحياء وكذلك المسارح والمنتديات التي قدمت العديد من العروض المسرحية والاستعراضية والفضائية التي شارك فيها نجوم الفن والغناء والمسرح الخ. خلت الأسواق من الزبائن إلا القلة منهم لأنهم أخذوا أو اشتروا (كوتة) أيام العيد بكاملها والتي أمتدت لأسبوع بالتمام فهي أغنتهم عن زيارة هذه الأسواق التي أصبح تجارها يستجدون المارة بالصوت العلي وهكذا حال التماسيح تبحث عن المزيد من الضحايا للبلع والالتهام. وقفت على عادات وتقاليد أخوتنا المسلمين في آسيا القابضين على الجمر عبر الحوار الذي أجرته (آخر لحظة) مع السفير الأندونيسي بالخرطوم وأسرته الذين تحدثوا عن العادات والتقاليد المتبعة خلال العيد وأكلاتهم الشعبية المفضلة ومائدة العيد ما تحتوي من طعام وشراب. فهم يأخذون القليل من لحم الأضاحي ويتصدقون ببقيته على المحتاجين وأنهم خلاف المسلمين في الدول العربية لأنهم يعتقدون أن عيد الفطر هو العيد الأكبر وليس الأضحى ترى هل هذه العادات وقفاً على الشعب الأندنوسي أم أنها نهج آسيوي يتبعه كل مسلمي آسيا الذين يذودون عن الإسلام وعن الدين بكل غال ونفيس نيابة عن كل مسلمي الدنيا نسأل الله لهم النصر في الهند والباكستان وافغانستان والصومال الأفريقية وفي أندنيسيا وغيرها من بلدان المسلمين في كل أنحاء المعمورة. الصحف والإقبال عليها في اليوم الأول كان نوعياً ربما لانشغال الناس باستقبال المعيدين الزوار أو لانخراطهم في سلسلة من الزيارات للمعايدة هذا بجانب أن عدداً من الصحف احتجبت عن الصدور في اليوم الأول وربما الثاني بحكم العيد والراحة والاستجمام من عناء المهنة الشاقة والمضنية.. وعاد الإقبال إلى طبيعته في اليوم الثاني وما تلته من أيام فالصحافة والشاي هما وجبتا الصباح والبكورة. ومسك الختام كل عام وأنتم بخير وبلادنا العزيزة ترف في حلل السلام والرخاء والأمن والاستقرار والوحدة والوفرة. *صحافي وإذاعي