الظلم من أبشع الممارسات أو الأعمال التي يقترفها الإنسان ضد الآخرين، كما أنه قد يظلم الحيوان والبعض قد يظلم نفسه!!! الإنسان الظالم بالتأكيد هو شخص غير سوي، العدل هو أساس الحياة داخل المجتمعات، ومع الكائنات الأخرى، حتى مع البيئة بكل مكوناتها، الظلم لا يؤدي إلا الى المزيد من الظلم. الظلم مرفوض من الحاكم ومن الرعية، من ناحية الحكم، فالكل يعرف مدى ظلم أهل الإنقاذ ولا نريد أن نطلق لنفسنا العنان في طبيعة تفكيرهم والأوهام الكثيرة التي يعيشون بها والتي تنعكس الى نقيض لما يقولون.. ومن أكبر متناقضاتهم أنهم يظنون أن الشعب راضٍ عنهم، لكن في أعماقهم يعرفون شعور الشعب تجاههم، وذلك نتيجة ما يسمعون في المناسبات المتعددة اجتماعية كانت أم سياسية، رغماً عن ذلك لا ينوون التنازل عن الحكم (الظلم)، ويريدون من الشعب أن يحبهم ويثني على انجازاتهم الوهمية، أن الله حرم الظلم على نفسه وحرمه علينا.. إن نظرنا لمجتمعنا الحالي، وهو بالتأكيد يختلف عما كنا نعرفه ونعيشه في السابق، نجد أن حياتنا كلها ظلم في ظلم، بل أن بعضنا يتكسب منه قوت يومه، ويستخدمه في تلبية كل متطلباته واحتياجاته اليومية، لكنه لا يدرك أنه قد ظلم الآخرين، (عادي يعني ما فيها حاجة غريبة، أنا عملت شنو مختلف عن بقية الناس)؟ بمعنى أن الظالم أصبح لا يفرق بين الصحيح والخاطيء، ما بين الحق والباطل، ما بين الظلم والعدل، لا يعرف أين تنتهي حدوده، وأين تبدأ حدود آخر.. نبدأ يومن بالصلاة والدعاء، ونخرج الى أعمالنا، نبدأ من المواصلات لمكان العمل أو الى المدرسة أو الجامعة، القوي منا يأكل الضعيف. لا نعرف قيمة الوقوف بالصفوف وانتظار دورنا حتى لا نظلم أحداً، عند النزول من البص نتنافس ونتزاحم ولا نعطي الفرصة لمن هو أقرب أو للأضعف، أو حتى للمرأة أو الطاعنين في السن، عند وصولنا- إن كانت حكومية- نأخذ وقتاً طويلاً حتى نتهيأ لأداء المطلوب منا تجاه المواطن، وهذا ظلم، أما المواطن نفسه فهو أيضاً لا ينتظر دوره في قضاء ما جاء من أجله ويدافر ويعافر أو يبحث عن واسطة أو يقدم رشوة.. وهذا أيضاً ظلم.. أحياناً يخرج عن طوره ويسمع الآخرين الفاظاً خارجة أو يهدد بوسيلة أو أخرى، وهذا بالنسبة له عادي، وأن الأغراض تؤدى بهذه الطريقة فقط، وأن الناس تستاهل أن تعامل كذلك، وأن القوي يجب أن يأكل الضعيف!! أما الموظف نفسه فلا يحاول أن ينظم العمل، أو أن يطلب من الجمهور الوقوف صفاً واحداً حتى ينجز عمله بالسرعة والدقة المطلوبة، وهذا ظلم. أما إن سأله أحدهم سؤالاً، فقد ينظر اليه نظرة تجعله لا يسأل مرة أخرى، أو يهمل الرد عليه (تجاهل)، أو يقول بعض كلمات غير مفهومة (من تحت ضرسه)، وهذا ظلم، ثم بعد ساعة أو أقل يقوم الموظف من مكتبه متجهاً الى الفطور (الافطار)، دون أن يقول للمواطنين شيئاً، أو يقول ( يعني ما نفطر ولا شنو!!) يتفرق المواطنون الى تحت الأشجار أو تحت الشمس الحارقة حتى يعود سيادته، وكمان يطلب الشاي، وإن أمكن متبوعاً بالقهوة، وهذا ظلم مضروب في عدد المواطنين الذين لا فرار لهم سوى انتظار فطور وشاي وقهوة سيادته، ثم السجارة أو السفة ليكمل ما قام به قبل ساعة أو أكثر إن كان بالفعل قد أنجز شيئاً منذ قدومه.. أصبروا الموضوع لم ينتهِ هنا، والساعة الآن قاربت منتصف النهار، وهو لم ينجز شيئاً.. آذان الظهر يأتي عبر مكبرات الصوت داخل الوزارة أو من أقرب مسجد، يقوم يقول ليكم ماشين نصلي الضهر، لا أحد يستطيع أن يقول (بغم)!! يأتي سيادته بعد نصف ساعة أو ساعة ويصطف الناس مرة أخرى، وكلما جاءه أحدهم يقول له الموضوع ده عند فلان داك مع إشارة في اتجاه غير مفهوم، وأنت لا تعرف من هو فلان هذا، ولن تستطيع أن تسأله أين أجد هذا الفلان، حيث أنه مشغول مع الذي عليه الدور، وهذا ظلم، لأنني لا أعرف من يعملون هنا بالاسم ولا بالوظيفة، ولا توجد لافتات توجه المواطن الى أين يذهب ومن أين يبدأ، وهذا ظلم أيضاً، بالمناسبة، التقارير العالمية تقول إن الموظف المصري الذي يقضى 8 ساعات بمكان عمله لا ينجز إلا 28 دقيقة فقط، يا ترى كم دقيقة ينجزها الموظف السوداني؟ نخرج من العمل ونذهب الى السوق والبقالات والأفران، ثم المواصلات مرة أخرى، في كل مكان من هذه الأمكنة لا ننتظر دورنا، ولا نحترم من جاءوا قبلنا، ولا نعذر الطفل أو المرأة أو المسنين، وندافر ونعافر حتى نخرج باحتياجاتنا ونحن سعداء بما قمنا به باستغلال كل مهاراتنا وامكاناتنا العضلية وغيرها، ولا نشعر بأننا ظلمنا أحد. أما أكثر ما يغيظني هؤلاء الذين يدعون التمسك بالدين، وأذقانهم حتى صدورهم، ويحملون المسبحة، وهم داخل المسجد، ويسبحون والإمام يلقي خطبته، وأفكارهم مشغولة وأذهانهم غائبة عن ما يدور، ويفكرون بما سيفعلون بعد الخروج من المسجد من تهديد هذا والذهاب لذاك، وأخذ الشيك القديم منه، وكتابة شيك جديد بمبلغ أكبر حتى لا يفتح فيه بلاغ الآن، ومنع فلانة من بيع الكسرة أو الشاي والقهوة أمام متجره ما لم تدفع له مبلغاً شهرياً، وهو يعرف حالها، أو يفكر في رفع ثمن سلعة ما ليست في مقدرة البسطاء شراؤها..الخ. هذا هو الظلم بعينه. أما في الطرقات، فحدث ولا حرج، الحركة بالمدن أصبحت من المستحيلات، كل يقود سيارته أو ركشته أو حافلته أو أمجاده كما يحلوا له، ولا يلتزم بقوانين الحركة، أو أن القيادة فن وذوق وأخلاق، كنت أقود سيارتي قرب المغرب قادماً من مزرعة كانت لي عندما كنت أقيم بكرش الفيل وبشارع عبيد ختم من الجنوب الى الشمال، وقرب رئاسة كنانة، قام أحدهم وبسيارة بيك أب ويحمل معه أحد الأجانب الخليجيين بالدخول أمامي مباشرة، وهو قادم من الشرق الى الغرب دون أن ينتظر ويستكشف الطريق، لكني تنبهت وقمت بالضغط بقوة على الفرامل حتى كادت سيارتي أن تنقلب من الخلف للأمام، وكادت الإطارات أن تحترق، ووقف المارة لمشاهدة الحادث المهول الذي كان مكن الممكن أن يقع، ولحسن الحظ لم تكن هنالك سيارات خلفي.. أما هو فقد استمر (زى ما في حاجة)، قمت فيما بعد باللحاق به وأوقفته ونزلت من سيارتي وذهبت اليه أعاتبه، وعلمت منه أنه مهندس ويعمل بإحدى الشركات الكبرى، وعلى رأسها أحد معارفي وقيادي كبير بحزبنا، يا ترى ماذا كان رد فعل السيد المهندس؟ ببساطة قال لي: (اتصرف)، أي والله، هذا كل ما حدث، فما كان منى إلا وأن قررت الخروج نهائيا من الخرطوم بلد أهلي وأجدادي (الديوم الشرقية)، وعدت الى مدني الحنينة حتى تاريخه، أليس هذا هو الظلم بعينه؟ أما الظلم بأنواعه الأخرى، فقد انتشر في مجتمعاتنا بالمدن والريف انتشار الوباء الذي لا يمكن التحكم فيه. فظلم المواطن للمواطن، والمسؤول للمسؤول الآخر والمواطن، وظلم الجار للجار، وظلم الأخوة والأخوات لبعضهم البعض، وظلم الزوج لزوجته وأبنائه، وظلم الزوجة لأبنائها والهروب مع عشيق والزواج منه، وهي في ذمة الرجل الأول، واغتصاب الأطفال، وأكل أموال الآخرين دون وجه حق، حتى في الرياضة وكرة القدم لم تنجُ فرق كبيرة وصغيرة من ظلم التحكيم ولجان الاتحاد العام.. أيضاً الجامعات والمراكز البحثية والمعاهد كلها تشكو من الظلم على كل المستويات الإدارية والأكاديمية، والتمويل والحوافز والامكانات والمؤهلات والكفاءات..الخ. أصبحنا نعشق الظلم ونقنن له ونكافئ الظالم ونعطيه أعلى المراتب.. لكننا نسينا الله، فأنسانا أنفسنا. المطلوب يا سادة أن نبتعد عن الظلم حتى يقبل الله دعاؤنا، فالله لا يقبل دعاء الظالم حتى وإن طبق كل أركان الإسلام الخمس، فهي لم تنهه عن الظلم، فلنحاسب أنفسنا في كل ما نفعل يومياً، ونراجع هل ما قمنا به يتماشى مع استفتاء ضميرنا ومع تعاليم ديننا ومع المعايير الحضارية؟ لابد وأن نتعلم أن الوقوف بالصفوف من العلامات الحضارية جداً.. تكفينا أن نظلم أنفسنا والآخرين، أداؤنا لأعمالنا يجب أن يتم بكل أمانة، ونعلم بأن من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل، وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، ينطبق هذا الأمر على الجميع من رئاسة الجمهورية والولاة والوزراء ..الخ... نرى هذه الأيام وزراؤنا مشغولين بالواتساب!!! بخ بخ، فقد انجزوا كل شيء ولم تعد هنالك أعمال يقومون بها، فنحن نعيش في جنة الله في أرضه.. اللهم نسالك اللطف).. آمين).