من الأولياء الذين يعلو مقامهم فوق الحاكم، نذكر الشيخ خوجلي، الذي كان من أكثر الأولياء مهابة في زمان الفونج.. يقول ود ضيف الله، أن الشيخ خوجلي، صاحب المقام الذي على شاطئ النهر في الخرطوم بحري، قبالة توتي،( كان لا يقوم ليسلم على أحد من الجبابرة، لا أولاد عجيب، ولا ملوك جعل، لا ولا أحد،، إلا خليفة الشيخ إدريس وخليفة الشيخ صغيرون).. ويضيف صاحب الطبقات، أن ( كان أكابر السلاطين والعلماء بين يديه كالأطفال، ولم يكن الشيخ خوجلي يكاتب السلطنة، لأن حمل طينة من عنده تكفي لقضاء الحوائج في بلاط سنار).. أنظر: الطبقات، ص190، 200. داخل هذه الفئة رهط من الأولياء كانوا على جفاء مع السلطة، منهم الشيخ حمد ود الترابي، الشهير بحمد النحلان البديري، وكان هذا حاله مع السلطنة مذ قتل سلطان سنار حواره (ميرف( الذي بشر في سنار بمهدية شيخه.. كان النحلان قد إدّعى المهدية في مكةالمكرمة، وجوبه هناك بمعارضة وتضييق.. ومن هناك ابتعث إلى سنار حوّاره للتبشير بالمهدية، ثم بعد حين أطلق قولته الشهيرة (البيضوِّي ها اليضوِّي في بلدو)، وقرر الرجوع إلى سنار، وكان سلطانها قد قتل حوّاره ميرف.. هنا غضبت الطبيعة، بحسب ما دوّنه ود ضيف الله، حيث تعرّضت سنار لعواصف من أمطار وسيول جارفة، ومثل ذلك حدث في شعاب مكة عندما أعرض أهلها عن دعوة الشيخ النحلان، الذي حتى بدايات القرن الثامن عشر، بحسب مقال للأستاذ محمود عثمان رزق بسودانايل.. وردت في ذلك المقال إحصائية، حددت عدد الذين ادّعوا المهدية والعيسوية حتى العام 2012، بنحو 22 سودانياً.. ويجنح الكاتب المذكور، إلى اعتماد وجهته السلفية، فيضع ضمن احصائيته، الأستاذ محمود محمد طه، ليقول بعد تثبيت اسمه في القائمة، إن الأستاذ محمود (وجد الجو مشبّعاً بفكرة المهدية والعيسوية، فلم يدّع النبوة ولا العيسوية ولا المهدية، لكنّه دخل على المجتمع بمدخل جديد يدعو فيه لتجديد الفكر الإسلامي)..! هنا يكمن سؤال: ما هو سر غرام السودانيين بهذا الإدعاء، وهل من ادّعى المهدية أو العيسوية، في بلادنا، نحو 22 (نبياً) فقط..؟ ومنذ تراجع النحلان عن دعوى مهديته بعد رجوعه إلى السودان، ( قطع العشم) في النظام السياسي القائم، فلم تكن له شفاعة أو غرض في بلاط ملوك سنار، وكان لا يقبل عطايا أو هدايا من السلطنة.. وتطور مشهده الرافض هذا، إلى خوض صراع دموي مع قائد جيش الفونج سلمان ود التمامي.. وقد بذ الشيخ حمد النحلان قائد جيش السلطنة وقطع رأسه ويده، كما سنرى لاحقاً .. ومن الأولياء الذين كان لهم موقف من السلطة السياسية القائمة حينها، الشيخ إبراهيم ولد صغيرون، والذي يُكنيه ود ضيف الله بأنه ) الصائم عن أكل مال الجاه(، أي لا يقبل أو يأكل المال الذي يأتي من السلاطين والأمراء وأعيان السلطنة.. ومن أولياء هذه الفئة، الشيخ دفع الله ود أبو إدريس العركي، الذي اشتهر بأنه) لا يأكل من التكايا التي تستقبل عطايا السلطان ..( وعُرِف عن الشيخ دفع الله، أنه ( لم يدخل سنار حتى مات).. وغير هؤلاء كُثر، ممن تُعرض مواقفهم من السلطة، ضمن القبول بها كقدر إلهي.. يلاحظ أن الامام محمد أحمد المهدي 1843 1885 قد بدأ حياته كفقيه تطهري ينتسب لتجربة هذا التيار داخل الحركة الصوفية.. وكما هو معلوم فإن نقطة التحول في حياة محمد أحمد، قد بدأت باعتراضه المباشر على (مظاهر الفرح) التي وقعت في ختان أنجال شيخه محمد شريف ود نور الدائم، فكانت تلك التجربة تمريناً، لاستخدام المفعول العقدي ضد السلطة التركية .. نواصل ..