من أروع القصص التي تروى في السيرة عن العفو هي قصة الخليفة / هارون الرشيد مع خادمه الذي سكب عليه ماء ً حاراً دون قصد ، وكان الخادم ذكياً فقال للخليفة ( والكاظمين الغيظ) ،فقال الخليفة كظمت غيظي فقال : والعافين عن الناس. قال الرشيد :عفوت عنك. قال: والله يحبّ المحسنين، فما كان من الخليفة إلا وأن قال له اذهب فقد أعتقتك لوجه الله. لكن هل يتمتع السياسيون بذكاء ذلك الخادم ؟ أم مطالبات بعضهم ب (العفو) عنما بدر منهم من تصرف أو فعل أو غيرة يأتي أيضاً في سياق لعبة السياسة القائمة على التعامل بمكر ودهاء ؟؟. آخرهم سيسي: عدد من السياسيين والقيادات أعلنوا على الملأ طلب الصفح عنهم ، وكان آخرهم السياسي المعروف ، رئيس سسلطة دارفور د. التجاني سيسي ، والذي قدم اعتذاره لمواطني دارفور وطلب العفو من الجميع طوال عمر السلطة الإقليمية. ولعل المناسبة كانت تستدعي منه تقديم طلب لمواطني دارفور وغيرهم بالعفو عنهم سيما وأنه كان يخاطب مؤتمر السلم الاجتماعي لدارفور الذي أقيم بمدينة نيالا أمس الأول. وقريباً من العفو شدد سيسي على ضرورة تحقيق الدولة العدالة الاجتماعية في الخدمات الأساسية, وكأنه أراد أن يقول لو لم تحقق الدولة العدالة الاجتماعية لن يعفو عنها المواطن. أشهر طلب عفو: لكن أشهر طلب عفو - على الأقل في السنوات الأخيرة –الذي تقدم به مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق صلاح عبد الله (قوش) عندما طلب العفو عنه من قبل السودانيين الذين لهم مظلمة عليه ودعاهم أن يغفروا له الخطايا التي ارتكبها. جاء مطلب قوش عقب إطلاق سراحه في يوليو 2013م بعد اعتقال لسبعة أشهر لاتهامه بتدبير محاولة انقلابية، بُريء منها لاحقاً, كما انتهز قوش فرصة شهر رمضان – وقتها – وأعلن العفو عمّن نكل به وظلمه وكل الذين أساءوا إليه – هكذا قال حرفياً,وتم تفسير خطوة قوش خاصة بعفوه عمن ظلمه ، بأنها تأتي في سياق الحديث السياسي الذي سيكون له ما بعده يوماً ما. نافع في القائمة: تصدّر مساعد الرئيس السابق د. نافع على نافع قائمة طالبي العفو ، وقد أكبر كثيرون خطوة الرجل سيما وأنه معروف بتصريحاته الساخنة جداً خاصة في حق المعارضة وكثيراً ما ينتاشها بسهامه ، بل أن المعارضة تحمله وزر الإنقاذ وتنظر إليه وكأنه جالس في قمة جبل (الخطايا السياسية) ، وقد اختار نافع توقيت طلب العفو بعناية فائقة و في ديسمبر 2013م ، عندما غادر منصبه الحكومي والتنظيمي بحزبه حيث كان يتحدث في مؤتمر صحفي بالمركز العام للحزب الحاكم في اليوم الثاني لمغاردته. نافع اعتذر عن أي مضايقات سببها لأي شخص وقال : " انتهز هذه السانحة وأقول لإخوانا الذين درشتهم يعفوا لينا لأن الحكاية ما فيها استهداف شخصي وأنا لم أهبش أي زول في قضية شخصية " لكن الطريف أن نافع وكأنما طلب العفو على مضض عندما استدرك (لكن البهبش الإنقاذ بعد دا ما بخليه). عفو من باب الاحتراز: لكن العفو الذي شغل الناس ، وكان في مناسبة هي الأخرى شغلت الناس بل كانت مثار جدل, ذلك العفو الذي تقدم به الوزير السابق كمال عبد اللطيف عقب مغاردته وزارة المعادن, حيث حضر للوزارة لاستقبال خليفته د. أحمد الكاروري وتفاجأ كمال بالدموع تسيل من عدد كبير من الموظفين حيث استقبلوه خارج سور الوزارة في شارع النيل وكانت تظاهرة عفوية عبرت عن مشاعر العاملين بالوزارة. وخاطب عبد اللطيف العاملين وطلب من كل من تعامل معهم العفو والصفح. وقد سُئل كمال في حوار أجرته معه الزميلة (الرأي العام) عن طلبه العفو من موظفي وزارة المعادن، هل يعني أنك ارتكبت في حقهم ما يستوجب العفو أو الاعتذار؟ وأجاب بصراحة متناهية: (أكون كذبت لو قلت لك أنني لم أغُضِب ولم أُزعِل زول، فأنا بشر وهم بشر، وخلال العمل الكثيف بلا شك سيكون حدث ما يغضبهم مني أو ما يغضبني منهم، وبالتأكيد سيكون هناك من غضب مني، فمثلاً قد يكون هناك شخص فاته كورس تدريب أو ترقية دون أن يكون هناك قصد مثلاً, فطلب العفو يجيء من باب الاحتراز. الجاز والدولب .. وجة شبه معروف عن الوزير السابق د. عوض الجاز ، أنه في نهاية كل مشروع يشكر العاملين ويطلب منهم العفو ، وقد رابط عقب تحرير هجليج في مناطق البترول وتمكن مع فريقه من إعادة ضخ النفط حتى أن الرئيس منحه وسام ابن السودان البار. وفي احتفال مصغر بهجليج طلب العفو فقال له أحد المهندسين المهم الإنجاز يا أبو الجاز, وقريباً منه وزيرة الرعاية مشاعر الدولب التي تقول للحضور عقب كل احتفال خاصة في الولايات (اعفو لينا وقفناكم كتير في الشمس). ومهما يكن من أمر فإن طلبات العفو التي تقدمت كثيرة والقاسم المشترك بين أغلبها أن جلها جاءت من قيادات غادرت موقعها. لكن يبقى السؤال هل سيعفو متلقو الطلب؟ وإن كان طلب العفو يُطفئ النيران في الصدور.