القصة تعود للستينيات حيث كانت الدنيا تسير وفق منهجية الواقع المجرد من الأغراض، حيث الصفاء والنقاء للعلاقات الاجتماعية الحميمية، والتي كانت تسود البلاد حتى نهاية السبعينيات.. ليحصل الخلل بعدها ويسود الحقد والمكر والإنانية.. نحن قبل السبعينيات كنا نمثل نموذجاً للخير والإنسانية لكل شعوب العالم.. وقبلها في عهد السلطان علي دينار كنا نقوم نيابة عن الأمة الإسلامية ما تقوم به الآن السعودية في تهيئة المناخ السليم للحجاج والمعتمرين لأداء مناسكها بطمأنينة وراحة بال.. كان لابد من هذه الرمية قبل أن نخوض في لقيمات الختمية، الذي يحبه أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني مع الشاي المقنن.. كما يقول محدثي عوض كمبال بوجود الأستاذ عمار... كنا نسكن في حي العرب، وكان على مقربة منا منزل الخليفة محجوب عثمان والذي كان صديقاً لوالدي.. كانت مهمتي كل يوم إثنين وخميس أن أقف بجانب الخليفة محجوب أساعده في إشعال الرتاين وفرش الأبسطة، استعداداً لليلة المديح والذكر ثم أقوم بحمل صينية مليئة بالكبابي لعدد عشرة أشخاص عبد الخالق محجوب، أحمد سليمان، الشفيع، الحاج عبد الرحمن، ود الخليفة، التجاني عامر وغيرهم ممن لم تسعفن الذاكرة.. كان العدد لا يزيد عن عشرة وهم أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.. وكان دائماً يكرر على مسامعي الخليفة محجوب أوعك يا ود كمبال تنسى اللقيمات أصحاب الأستاذ بحبونها.. وكنت أحياناً أحاول الجلوس معهم وأشرب كباية الشاي إلا أنني كنت أحس أنني أقطع عليهم الونسة.. الاجتماع بالرقم من أنهم جميعاً يظهرون لي المودة، واستمر الحال فترة من الزمن، ولم أكن أدري- لصغر سني- بأنني كنت شاهداً لاجتماعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني بقيادة الأستاذ عبد الخالق.. حيث كان يوم الحولية يمثل لهم ملاذاً آمناً لاجتماعاتهم .. هذه القصة رغم بساطتها إلا أنها تعكس بجلاء ووضوح المناخ المتصالح الذي كانت تسير عليه الحياة السودانية بين خليفة ختمي وإبنه الماركسي.. الزعيم الفذ الأستاذ عبد الخالق محجوب عثمان.. ترى هل ممكن أن تعود مثل تلك الأيام، والتي كان فيها الجنيه يساوي ثلاثة دولارات، وشبح زايد يطلب من كمال حمزة أن تصبح أبوظبي مثل الخرطوم، وأن التلفزيون الملون يشكل حضوراً عندنا قبل مصر والسعودية، وأن الزعيم إسماعيل الأزهري يتسلف من أصدقائه مبالغ مالية لتكملة بنيان منزله.. وأن الشوارع في الخرطوم تنظف وتغسل... وأن النفاجات بين البيوت تغلق منافذ الجفوة وتعكس الحميمية بين المجتمع.. وأن المناسبات الاجتماعية من أفراح تظل لمنتصف الليل تربط وشائح المحبة بين المجتمع.. ترى هل ممكن أن تعود تلك الأيام والإنقاذ مغلقة كل أبواب الحميمية على الناس والسبب شنو.. والله العظيم أنا في كثير من الأحيان لا أعرف أولاد أهلي من الدرجة الأولى والسبب عدم التواصل الذي كانت المناسبات الاجتماعية من أفراح وأتراح تهيأه .. فكوا قيدنا من هذا السلاسل التي كبلتنا وخلقت الجفوة بيننا وحرام تدخلوا في حياتنا الشخصية.