كل الدلائل تشير الى أن الاستفتاء على تقرير المصير بجنوب السودان سوف يؤدي الى ميلاد قطر جديد في أفريقيا، التي شهدت ميلاد آخر بلد لها في العام 1993 وذلك عندما انفصلت ارتيريا عن أثيوبيا، غير أن هناك الكثير من العمل يجب أن تنجزه كل الأطراف المعنية والمجتمع الدولي لضمان حدوث انفصال أكثر سلماً وأمناً من ذلك الذي حدث في الأقطار المجاورة له. ويقول شابلن كارا البروفيسور بجامعة جوبا والمتخصص في الشؤون الدولية لايرين (إنه انفصال يشبه الطلاق) لأنه في حال الانفصال يمكن بيع المنزل ويأخذ كل طرف نصيبه، أما في حال السودان الموحد فإنك لن تستطيع تقسيم المنزل الى جزءين بحيث يأخذ كل طرف نصفه وينصرف، ولقد حذرت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير أخير لها من امكانية تفجر الوضع في السودان مع تنامي القلق بشأن وضع أسس علاقة ما بعد الاستفتاء، والتي لم تتبين ملامحها بعد. وفي الأشهر الأخيرة اجتمع المسؤولون في حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان لمناقشة قضايا حيوية مثل المواطنة والجنسية، وإدارة الموارد الطبيعية، والعملة، والأصول، والديون الخارجية، والأمن والمعاهدات الدولية، غير أن إهمال وضع الأسس لعلاقة إيجابية لما بعد الاستفتاء سيكون تصرفاً قصير النظر، ووصفه لتجديد الصراع حال الانفصال.. وتقدر منظمة ايجست تراست الخيرية الموجودة بلندن تكلفة حرب جديدة ممكن أن تقوم بالسودان ب100 مليار دولار، إضافة للتردي الاقتصادي والتكاليف التي سوف يدفعها المجتمع الدولي لحلحلة قضايا آثار الحرب، مثل المساعدات الإنسانية، وحفظ السلام، وعلى السودان الاستفادة من الدرس الأثيوبي الارتيري، حيث خاضت كلا الدولتين نزاعاً مسلحاً حول ترسيم الحدود، تطور لاحقاً الى صراع حول قضايا سياسية واقتصادية تعذر حلها وزرعت شقاقاً بين الأشقاء والقادة لم يتم علاجه حتى الآن، ويلوح في أفق السودان شبح حالات مماثلة خاصة بعد أن أدلى الجيش الشعبي لتحرير السودان بأن القوات المسلحة السودانية قد شنت هجوماً على قواته الموجودة بأحد المواقع العسكرية في ولاية شمال بحر الغزال.. وقال المتحدث باسم قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان إن العمل قد قصد منه ارجاع السودان لمربع الحرب، والعمل على عرقلة سير الاستفتاء.. تسويات تفاوضية: ويقول البروفيسور شابلن كارا (هناك الكثير من القضايا التي تجب معالجتها قبل الاستفتاء، فالجنوب مثلا يملك النفط، والشمال يملك الأنابيب التي تنقله وعلى الجانبين الاتفاق على صيغة للتعامل مع الأمر، وبغض النظر عن العلاقة التي تربط النظام في جنوب السودان بالخرطوم، فإن على الجنوب الكثير من العمل لتنظيم شؤونه الداخلية ذات الارتباط الوثيق بالشمال، وفي حال صوَّت الجنوب لصالح الانفصال، فعلينا أن نتصرف كأمة، كما أننا بحاجة الى نظام ديمقراطي جديد يلعب فيه كل مواطن دوره كاملاً في إشارة الى الشكاوى الصادرة ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان متهمة إياها باحتكار السلطة. ويقول جون مادوت جوك الأمين العام لوزارة الثقافة والتراث بجنوب السودان.. إن حكومته ستضطر للعمل الجاد من أجل تلبية تطلعات مواطنيها مضيفاً (توقعات شعبنا خاصة العائدين مرتفعة جداً وأهم التحديات التي يتوقعون من الحكومة الايفاء بها، العثور على سكن، وخدمات اجتماعية وغذائية مناسبة، وفي حال صوَّت الشعب لصالح الانفصال فإننا نعطي الأولوية للتنمية الاقتصادية والبني التحتية، ولا سيما الصحة والتعليم وتنمية رأس المال، وتشجيع الاستثمار الأجنبي.. مشيراً الى أن هناك انجازات تتطلب استثمارات مالية ضخمة تعجز حكومة الجنوب عن اجتذابها، لذلك تجب إدارة حجم توقعات المواطنين الجنوبيين. المساءلة: يقول محلل سياسي بجوبا رفض الافصاح عن هويته.. في حال تم التصويت للانفصال يجب على الحكومة على كافة مستوياتها الاستعداد للانتخابات، وذلك لأن صلاحية اتفاقية السلام الشامل سوف تنتهي في 9 يوليو 2011 ، الأمر الذي سوف يؤدي الى ايجاد تغييرات في البرلمان بالخرطوم، إذ إنه سوف يتم تفكيك بعض هياكل اتفاق السلام الشامل مثل مجلس الدفاع المشترك ومجلس البترول، ولقد اجتمع الرئيس سلفاكير ميارديت بعشرين من الأحزاب السياسية الجنوبية لمناقشة الخيارات ويقول دبلوماسي غربي بجنوب السودان.. إن على جنوب السودان في حال اختار الانفصال تحسين قدرته على ممارسة الحكم وإدارة الصراعات المحلية بين المجتمعات، وتعزيز آليات المساءلة وجذب الجنوبيين المؤهلين بالخارج، للمساعدة في إدارة البلاد وتشجيع الاستثمار الخاص وأضاف قائلاً: أولاً على الحكومة إنشاء المؤسسات العاملة بالجنوب، وذلك أن معظم العائدين تمتعوا بخدمات التعليم والرعاية الصحية المجانية بالشمال، وعادوا الآن ليجدوا النظام التعليمي بالجنوب في حالة يرثى لها.. الأمر الذي سوف يمنع عودتهم للجنوب. خطر العنف: وفقاً لتقرير أعده مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن العنف الطائفي بجنوب السودان قد انخفض عموماً هذا العام، كما انخفض معدل النزاع على المراعي والمياه بعد هطول الأمطار الغزيرة مؤخراً، إلا أن التوترات السياسية والعرقية لاتزال مرتفعة في بعض المناطق، ففي الفترة من يوليو وحتى سبتمبر قتل ما يزيد عن 150 شخصاً، وارتفع عدد المشردين بجنوب السودان الى 212 ألف مشرد في العام 2010.. وبغض النظر عن نتائج الاستفتاء فإن هناك قلقاً متزايداً بشأن الآثار الإنسانية المترتبة على الاستفتاء وبخاصة النزاع على طول الحدود بين الشمال والجنوب.. ويقول مراقب سياسي طلب عدم الافصاح عن هويته سيكون الانفصال تشعبات في الشمال، وعلى الحزب الحاكم في الشمال معرفة كيفية الحكم جنباً الى جنب مع دولة جديدة، اقتطعت نفسها منه، كما أن الشماليين يدركون الغضب الذي يشعر به الجنوبيون بشأن الطريقة التي عولج بها الوضع في الجنوب طيلة الأربعين عاماً الماضية، وعلى الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير التعامل مع الوضع بطريقة ذكية. إن الخرطوم تريد إطفاء نار الحرب بعد أن جربت خسائرها، ولكنها قد تعمد الى زعزعة الاستقرار في الجنوب من خلال خلق انطباع بأن الجنوب غير قادر على حكم نفسه بنفسه.