كم منا يعرف إدريس علي الدنقلاوي النوبي صاحب الرواية المشهورة «دنقلا» والتي نشرها منذ أعوام في القاهرة في وطنه الأم مصر.. فهو من أهلنا النوبة وأحد رموز الأدب المشهورين الذين اختاروا لأدبهم أن يأخذ مادته من بيئة أهلنا النوبيين ويصور حياتهم في مصر والسودان في أكثر من عمل روائي جميل.. وإدريس علي الذي رحل عن عالمنا في الأسبوع الماضي في القاهرة عن سبعين عاماً، من الرموز التي لا تخطئها العين، والتي سوف تخلد في تاريخ الأدب في مصر والسودان وطنه الأم كابن بار من أبناء جنوبالوادي.. بل سيخلد اسمه في صفحات تاريخ الأدب في العالم كله عبر رواياته بطابعها وطعمها الخاص.. لاسيما روايته الأولى دنقلا والتي تُرجمت إلى اللغات الأجنبية وأولها الإنجليزية منذ سنوات، حيث نال عنها جائزة جامعة أركانسو عام 1997م، وقد صدر منها حتى الآن ثلاث طبعات، هذا إلى جانب رواياته الأخرى.. وقد التقيت به رحمه الله العام الماضي في قلعة صلاح الدين في مقر الأدباء- المقر التاريخي للأدباء والكتاب العرب في القاهرة.. ونحن نكرم الأديبين الكبيرين، الشاعر الفذ محمد الفيتوري والذي كرم باسم السودان في ذلك المحفل، والأديب الراحل المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري، أستاذ كثير من الأجيال من السودانيين والمصريين.. وقدم إدريس علي نفسه، وكان لقاؤنا الأول ولكنني قلت له.. أستاذي إدريس أنا أعرفك منذ وقت طويل فقد عشت مع رواياتك دنقلا وإنفجار الجمجمة.. وتأملت في شخوصك.. عوض الشلالي وإخوانه وتحرك أبطالك بين كوبان وأدندان ودنقلا وفرس.. وأحس بغير ما يحس الآخرون أنك رمز وحدة واندماج بين قطرين شقيقين هما مصر والسودان موطننا نحن معاً.. منذ كنا وكان أباؤنا عبر التاريخ وعبر حقب العصور والأجيال.. ü ألا رحم الله الروائي والأديب إدريس علي الذي كلَّفه قلمه وفكره الكثير..والذي تحمَّل في صبر وثبات مسؤولية كلماته.. أما قصة حياته فهي أمر مدهش.. وسيرة عجيبة.. لرجل بدأ صبياً في بيت أحد الأقباط ولم ينل أي قدر من التعليم، ومع ذلك علم نفسه.. وأصبح من رموز أهل الثقافة والأدب.. ومع ذلك لم يتنكر لذلك الماضي.. الذي اتخذ وقائعه ومعاناته سلماً إلى المجد النابع من نفسه وأصله ومحتده العريق النبيل.. وكأني به الفتى الذي عناه الشاعر: ونفس عصام سوَّدت عصاماً وعلَّمته الكر والإقداماً وصيَّرته سيداً هُماماً ü وداعاً صديقي إدريس علي وسوف تبقى في قلوب عشاق الأدب والفكر الذين عرفوا فضلك وسماحتك ومدى حبك لهم في كل حرف كتبته لأهلنا في جنوبالوادي وشماله.