٭ كانت فاتحة إطلالة الأخوان المسلمين على ألمانيا، ومن ثم أوروبا والغرب عموماً، تلك الزيارة التي سجلها مندوبهم سعيد رمضان إلى مكتب)غرهارد كيغل (أستاذ القانون بجامعة كولونيا في يوم من أيام مارس 1965 ، حين تقدم إلى باب مكتب البروفيسور رجلٌ مهندم قصير القامة قوي البدن يلتمس نصحاً بشأن اطروحته للدكتوراة .. فوجد استقبالاً طيباً وتشجيعاً من بروفيسور كيغل.. (ربما بدافع حرص أكاديمي أصيل، أو لعله ستار لأنشطة أخرى) كما يقول إين جونسون. ٭ أما سعيد رمضان، الذي لم يكتب الكثير عن سيرته العامرة بالنشاط الخلاق والمؤثر في تاريخ الجماعة، فقد رصد له المؤلف الفصل الثامن من برمته تقريباً من الكتاب.. استناداً إلى شهادات حية، أبرزها مقابلته لفريد عبدالخالق أحد القادة المؤسسين وعضو مجلس شورى الجماعة وجمال البنا أخو الإمام المؤسس (حسن البنا) حين التقاهما في القاهرة في العام 2004 قبل أن يرحلا بعد سنوات قليلة من ذلك التاريخ، فحدثاه عن الجماعة وتاريخ نشأتها ودور سعيد رمضان فيها وقصة التحاقه بها التي طالما حرص رمضان على سردها لأصدقائه ومعاونيه. * رأى سعيد رمضان الإمام حسن البناء للمرة الأولى في لقاء وعظي جرت وقائعه عام .. 1945 وكان من عادة البنا أن يطلب من بعض الحضور ارتقاء المنصة لأداء يمين الولاء للجماعة.. وبعد توالي خمسة لقاءات كتلك، عزم سعيد رمضان على (ارتقاء المنصة.. وكان حينها فتى في الرابعة عشرة، قصير القامة، قوي البنيان، صقلته ممارسة الرياضة وتدريبات المصارعة.. فما كان من البنا إلا أن خاطبه قائلاً: (بالله عليك ماذا أخرك عنا(.. ولم يمضِ طويل وقتٍ حتى أضحى رمضان ناشطاً بالجماعة.. حيث أسهم في تنظيم المؤتمرات الحاشدة.. وكان قد درس القانون في كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول (القاهرة لاحقاً) التي تخرج فيها عام1946، ليصبح محامياً.. وفي العام ذاته اختاره البنا ليكون سكرتيره الشخصي.. كذا فقد زوجه كبرى بناته (أم أيمن).. أما فريد عبدالخالق فيقول عن رمضان إنه كان خطيباً مفوهاً ذا كاريزما بادية، وأنه رجل المهام الصعبة. * وتتباين الروايات بشأن نشاطه في فلسطين، إذ ذهب البعض -بحسب المؤلف- إلى القول بدوره المحوري في الدفاع عن القدس ضد قوات العدوان الإسرائيلي، فيما ذهب بعض آخر إلى أنه قد اضطلع فقط بتنظيم جناح لشباب الأخوان هناك، وكتب آخرون عن إنشائه لفرع الجماعة في الأردن، حيث أشرف على جهود الإخوان خلال حرب ..1948 فكان أن منحه ملكها آنذاك)عبدالله بن الحسن( جواز سفر دبلوماسي استخدمه في تنقلاته المتوالية عبر القارات لسنوات طوال.. أما جمال البنا، الأخ الأصغر للإمام، فقد أبلغ المؤلف قوله: إنه إذا كان لدى جماعة الإخوان المسلمين هيكل وزاري، لكان سعيد رمضان وزيراً للخارجية .. وكانت له علاقات واسعة بداخل البلاد وخارجها.. وكان جل نشاطه موجهاً نحو (التنظيم أو الاجتماع الإسلامي).. واستعرض المؤلف التطورات التي قادت لبروز (الإسلام السياسي) عقب التدهور الذي أصاب الشعوب الإسلامية جراء الاستعمار، والتي رأي فيها البنا وتيار الإسلام السياسي عموماً بأنها تعود بالمقام الأول الى تراخي المسلمين عن تطبيق تعاليم دينهم الحقة وانحرافهم عن جادة الصواب. * لتحقيق الإجماع والاجتماع الإسلامي سعى النشطاء الإسلاميون إلى توحيد صفوف المسلمين تحت راية (خلافة بديلة) من خلال إرساء الرابطات وعقد المؤتمرات، بحيث تصبح مظلة تنظيم الشتات وتربط الآصرة.. ففي عام 1949 كان كل من سعيد رمضان وأمين الحسيني، مفتى القدس، بمثابة رأسي حربة لجهود رمت لإرساء هيكل مظلة كهذه.. ونجحا بالفعل في عام1951 في عقد اجتماع ل (مؤتمر العالم الإسلامي).. حيث ترأس الحسيني الاجتماع في العاصمة الباكستانية كراتشي، فيما انتخب رمضان كأحد ثلاثي سكرتارية الاجتماع.. فما كان منه إلا أن عمد من فوره إلى مهاجمة حكومة تركيا العلمانية.. ومن ثم نشط رمضان مع الحسيني في (منظمة المؤتمر الإسلامي).. وكان الهدف الرئيسي الذي عمد الحسيني ورمضان الى تحقيقه خلال تلك الاجتماعات قد تمثل في (محاربة الشيوعية). * تكرر هذا المشهد في مراقبات وكالة الاستخبارات الأمريكية وتقاريرها الراصدة لأنشطة تلك المؤتمرات والتجمعات.. وبرغم ما عرف عن الحسيني من معاداته للشيوعية إلا أن (تاريخه النازي) قد حال دون أن يصبح حليفاً مقبولاً للأمريكيين، أما سعيد رمضان فكان له شأن آخر. (يتبع)