البنى التحتية بسنار توفر اطارات بتكلفة 22مليون لمجابهة طوارئ الخريف!    ضبط الخشب المسروق من شركة الخطيب    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    خيبة حمدوك في باريس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    ضياء الدين بلال: الرصاصة الأولى ونظريّة (الطرف الثالث)..!    قصة مانيس وحمدوك وما ادراك ما مانيس وتاريخ مانيس    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    ماذا جرى في مؤتمر باريس بشأن السودان؟    رفع من نسق تحضيراته..المنتخب الوطني يتدرب علي فترتين    استمرار حبس البلوجر هدير عاطف بتهمة النصب على المواطنين    ياسر العطا: أمن و استقرار انسان الجزيرة خط احمر    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    ليفربول يسقط في فخ الخسارة أمام كريستال بالاس    خبراء: الهجوم الإيراني نتاج ل«تفاهمات أمريكية».. وجاء مغايرًا لاستراتيجية «طهران»    أحمد موسى: ده مفيش ذبابة ماتت من الصواريخ والمسيرات اللي إيران وجهتها لإسرائيل    إسرائيل تعيد فتح المدارس!    حفظ ماء وجه غير مكتمل    محمد وداعة يكتب: الاخ حسبو ..!    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تدهش وتبهر مذيع قناة العربية الفلسطيني "ليث" بمعلوماتها العامة عن أبرز شعراء مسقط رأسه بمدينة "نابلس" والجمهور يشيد بها ويصفها بالمثقفة والمتمكنة    شاهد بالصورة.. إبن عضو مجلس السيادة رجاء نيكولا يحمل السلاح مدافعاً عن وطنه وجمهور مواقع التواصل يشيد ويعلق: (أبناء الإسلام والمسيحية في خندق واحد لحماية السودان من الجنجويد)    شاهد بالفيديو.. مالك عقار يفجرها داوية: (زمان لمن كنت في الدمازين 2008 قلت ليهم الجنا حميدتي دا أقتلوه.. قالوا لي لالا دا جنا بتاع حكومة.. هسا بقى يقاتل في الحكومة)    أرسنال يرفض هدية ليفربول ويخسر أمام أستون فيلا    بعد راحة العيد...المنتخب الوطني يُعاود تحضيراته أمس    تجاوز مع أحد السياح.. إنهاء خدمة أمين شرطة لارتكابه تجاوزات في عمله    الموعد الأضحى إن كان في العمر بقية،،    إعلام عبري: طائرات أميركية وبريطانية تسقط مسيرات إيرانية فوق الحدود العراقية السورية    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    والي الخرطوم يزور رموز ونجوم المجتمع والتواصل شمل شيخ الامين وقدامى المحاربين والكابتن عادل أمين والمطرب عوض الكريم عبدالله    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    «العازفون الأربعة» في «سيمفونية ليفركوزن»    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    لن تنهار الدولة ولن ينهار الجيش باذن الله تعالى    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    انتحلوا صفة ضباط شرطة.. سرقة أكبر تاجر مخدرات ب دار السلام    "طفرة مواليد".. نساء يبلغن عن "حمل غير متوقع" بعد تناول دواء شهير لإنقاص الوزن    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    الضربة المزدوجة الإنهيار الإقتصادى والمجاعة في السودان!    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(قصة حبنا القميء مع اخوان مسلمى لندن)
نشر في حريات يوم 19 - 11 - 2012


بسم الله الرحمن الرحيم
“قصة حبنا القميء مع اخوان مسلمى لندن"
Our Sordid Love Affair with the London's Muslim Brotherhood “
هذا هو عنوان المقال الذى كتبه الكاتب الصحفى الامريكى المرموق جيفرى ستانبيرج . والمقال هو عبارة عن استعراض لكتاب “لعبة الشيطان : كيف ساعدت الولايات المتحده فى فك عقال الاسلام المتطرف “Devil's Game: How the United States Helped Unleash Fundamentalist Islam." . هذا الكتاب الهام لكاتبه روبرت درايفس , الجنرال الكبير المتقاعد فى وكالة الاستخبارات الأمريكيهCIA الذي عمل لفترات طويلة فى الشرق الاوسط , صدر عام 2005 فى 388 صفحة . هو كتاب يتوجب على كل شخص ينتمى الى جماعات الاسلام السياسى الاطلاع عليه . أولاً لمعرفة حقائق وأسرار التنظيم العالمى للأخوان المسلمين الذى ينتمى اليه لتحديد موقفه تبرئة للذمة امام الله والإسلام أولاً , ثم الاوطان وعباد الرحمن ثانياً .
ما نقوم به فى هذا المقام هو ترجمة نصية لورقة الصحفى الامريكى جيفرى ستانبرج التى تمثل بحثأً و استعراضاً جيداً للكتاب . فهناك كم هائل من الحقائق والمعلومات الدقيقة التى لم يتطرق اليها بطبيعة الحال . ولذلك يجب على قادة وكوادر الحركات الاسلامية المسيسة – خاصة المنتمية لجماعات الاخوان المسلمين – الاطلاع على هذا المرجع الهام لفهم طبيعة أدوار الحركات الاسلامية فى المنطقة وعلاقاتها بأجهزة الاستخبارات الغربية .
الى ترجمة النص الانجليزى (نورد النص الانجليزى فى نهاية المقال للاطلاع عليه من مصدره الذى يحمل صورة غلاف الكتاب.)
تصادف أن يحضر كاتب هذا الاستعراض (والحديث هنا للكاتب الصحفي الامريكى جيفرى ستانبرج) مؤتمراً انعقد فى مجلس الشيوخ الامريكى . هذا المؤتمر تم الصرف عليه باعتباره منتدى للخبراء عن تنظيم القاعدة . سألت لجنة من ثلاث خبراء هم من القادة العارفين بالارتباطات بين القاعدة وتنظيم الاخوان المسلمين , وذكرت لهم ان تقارير موظفى هيئة التحقيق حول هجمات 11 سبتمبر اوردت أن الشخص الذى كان يعتقد بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر 2001 خالد شيخ محمد , قد القى القبض عليه , وانه يفتخر بأنه تم تجنيده لتنظيم الأخوان المسلمين منذ أن كان عمره 16 عاماً. إلا ان سؤالى هذا قوبل بنظرات صفراوات من قبل “خبراء” تنظيم القاعدة الذين نصبوا أنفسهم خبراء فى هذا الشأن , ولم يتفضل أحد منهم بالرد . وللحقيقة والإنصاف , فقد ابتدرني أحد الثلاث فيما بعد ليقول انه كان يعلم شيئاً ما عن ارتباطات الاخوان المسلمين مع القاعدة , لكنه شعر أن الحضور حينذاك والمكون من قادة موظفى الكونجرس وكبار المفكرين Think-tank ومخططى السياسات لم يكن بمقدورهم استيعاب الاجابة المعقدة التى كان عليه أن يعطيها .
هذه الواقعة اعطت لقطة معبرة جداً حول الوضع فيما يتعلق بمن يطلق عليهم “خبراء الارهاب” الذين يفخر كثير منهم بنيل درجات علمية فى علم الاجتماع وعلم النفس وعلوم الكمبيوتر . لكن قليلون من لهم إلمام بالتاريخ , وأقل من ذلك من هم على استعداد لمحاولة استخلاص الدروس من التاريخ والتبضع بخبراتهم المجروحة . وعندما حكيت الحادثة فى منتدى خبراء الارهاب لعدد من الضباط المتقاعدين من الجيش والاستخبارات الذين لهم شهادات خبرة ومختصين فى شؤون الشرق الاوسط , هزوا رؤوسهم فى حسرة اعترافاً بالمشكلة والقصور.
لحسن الحظ , الكاتب روبرت درايفس جاء كتابه مواتياً ليبعث الراحة حول هذا القصور الكبير فيما عرف لدينا بالحرب العالمية على الارهاب “Global War on Terror “GWOT" وأيضاً حول قصور الديبلوماسية الامريكية وعمليات الاستخبارات بشكل عام . كتاب “لعبة الشيطان” يعطينا صورة حية حول كيف أن الولايات المتحدة قضت القرن الماضى كله منساقة الى اوحال سياسة الشرق الأوسط تجرها الاجهزة الامبريالية البريطانية التى دعمت وتحكمت فى حركات التطرف الاسلامى منذ الساعات الاولى لعصر سياسات البترول فى نهايات القرن التاسع عشر . يجمع كتاب درايفس بين مسح معمق مقروء لمجموع الادبيات الاكاديمية حول تاريخ حركة الاخوان المسلمين وتفرعاتها المتعددة التى انبثقت عنها فى القرن العشرين , مع مقابلات مع بعض كبار خبراء الشرق الاوسط فى الادراة الامريكية من دبلوماسيين وضباط استخبارات . ففى الفصل الافتتاحى الاول , يعطينا درايفس تشخيصاً وعلاجاً لسياسة الرئيس بوش الخاطئة حول الحرب على الارهاب. كتب درايفس بان شن حرب على الارهاب هو الطريق الخطأ تماماً لمجابهة التحدى الذى خلقه الاسلام السياسى . يأتى هذا التحدى فى شكلين :
الأول : هناك التهديد الخاص بأمن وسلامة الامريكيين الذى تخلقه القاعدة.
ثانياً : هناك مشكلة سياسية اخرى اكبر نطاقاً من خلقها نمو وتمدد اليمين الاسلامى فى الشرق الاوسط وجنوبى آسيا . ويضيف : “فيما يتعلق بالقاعدة , فقد عمدت ادارة الرئيس بوش بتعمد وإصرار لتضخيم حجم التهديد الذى تمثله القاعدة . فهى ليست تنظيماً بتلك القوة … استخدام الجيش الامريكى فى حرب تقليدية ليس هو الطريق الامثل لمهاجمة القاعدة , التى هى مشكلة فى الاساس تخص الاستخبارات وهيئات انفاذ القانون . سارت الحرب فى افغانستان فى الطريق الخطأ , فقد فشلت فى القضاء على قيادة القاعدة كما فشلت فى القضاء على طالبان التى تشتتت , كما فشلت ايضاً فى جلب الاستقرار لذلك البلد الذى مزقته الحرب , ما قاد الى خلق حكومة مركزية ضعيفة تحت رحمة لوردات الحرب وعصابات طالبان السابقه . والأسوأ من افغانستان كانت الحرب فى العراق – لم تكن خاطئة وغير ضرورية فحسب – لكنها ايضاً وجهت لبلد لم يكن له صلة مطلقاً بعصابة بن لادن . كما قال احد المراقبين بأن (قوات الدفاع FDR) قامت بمهاجمة المكسيك رداً على بيرل هاربر Pearl Harbor … المشكلة التى كان يمكن معالجتها جراحياً باستخدام قوات الكوماندوز والقوات الخاصة , تساعدهم الدبلوماسية المحنكة , التجريم والفعل القانونى مع مجهودات عالمية منسقة مع اجراءات دفاعية محكمة , كانت مضخمة لحد كبير من قبل إدارة بوش.
فيما يتصل بالموضوع الاوسع المتعلق بصعود الجناح الاسلامى المتطرف , يكتب درايفس “أولاً , يجب على الولايات المتحدة عمل ما يمكنها عمله لإزالة المظالم التى تقود المسلمين الغاضبين لالتماس العزاء فى تنظيمات مثل جماعة الاخوان المسلمين … على الاقل يمكن ان تتخذ الولايات المتحده خطوات هامة من شأنها اضعاف قدرة اليمين الاسلامى فى قطف المجندين . فبالاشتراك مع الامم المتحده والاوربيين وروسيا يمكن للولايات المتحده المساعدة فى حل الصراع الفلسطينى-الاسرائيلى بطريقة تضمن العدالة للفلسطينيين , أى قيام دولة مستقلة قابلة للبقاء جغرافياً واقتصادياً , وربط ذلك بالانسحاب من المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية , وعودة اسرائيل الى حدود 1967 تقريباً , مع تقسيم منصف وعادل للقدس . ذلك , اكثر من اى شئ آخر , من شأنه ازالة أسباب الحرب لدى اليمين الاسلامى .
ثانياً , يجب على الولايات المتحدة التخلى عن مظاهرها الامبريالية فى الشرق الاوسط . يتطلب ذلك انسحاب قوات الولايات المتحده من افغانستان والعراق وتفكيك القواعد الحربية الامريكية فى الخليج الفارسى والمنشآت فى السعودية , وتقليص واضح فى وجود الاسطول الامريكى ومهمات التدريبات العسكرية ومبيعات الاسلحة .
ان وصفات درايفس المعقولة لكبح تقدم اليمين الاسلامى هى مفيدة بلا شك لكن القوة الحقيقة لكتاب “لعبة الشيطان” هو التوثيق الدقيق للتاريخ الذى يوثق لدعم بريطانيا لحركة الاخوان المسلمين , واستجابات الولايات المتحده البلهاء لها , ما يجر العالم بالضبط الى حافة صدام الحضارات “Clash of Civilizations” فى حرب لا نهائية طال ما سعت اليها لندن , والتى عادة ما عارضتها الولايات المتحده .
حكم بريطانيا الامبريالى Britain's Imperial Synarchy :
على الرغم من أن حركة الاخوان المسلمين بدأت اولاً فى مصر 1928 الا أن جذور دعم بريطانيا للمحافل الماسونية السرية يرجع الى ما وراء ذلك التاريخ بجيلين . تحديدا للربع الاخير من القرن التاسع عشر , فى ذلك الوقت دعمت الاستخبارات البريطانية عمل شخص شيعى مولود فى بلاد فارس يسمى جمال الدين , عرف فيما بعد بجمال الدين الافغانى (1897-1838) . ولكونه ماسونى بريطانى (وفرنسى) وملحد موثوق , قضى الافغانى كل شبابه كعميل للاستخبارات البريطانية يقود التمرد الاسلامى حيثما اتفق ذلك مع الاهداف الامبريالية لبريطانيا . ففى وقفات فى حياته العملية المثيرة عمل كوزير للحربية ورئيس للوزراء فى ايران قبل أن يقوم بانقلاب على اسياده . كان الافغانى مؤسساً لحركة شباب مصر , والتى كانت شبكة من خبراء تضم الجبهات اليعقوبية البريطانية (الماسونية) حول العالم التى شنت الحرب على اعداء بريطانيا الامبرياليين فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر . فى السودان وفى اعقاب الثورة الوطنية التى قادها المهدى وقتل اللورد غردون الحاكم البريطانى , نظم الافغانى ثورة مضادة (اسلامية) لدعم استعادة السيطرة الاستعمارية البريطانية على السودان .
وفى ابهى التقليد البندقى Venetian (نسبة الى مدينة البندقية) طور الافغانى فلسفة او مقولة “الاقتصاد فى الحقيقة” Economy of truth اى الحقيقة كأداة للخداع الامبريالى . فقد اتخذ لنفسه اسم الافغانى لاخفاء مولده الفارسى/ الايرانى وجذوره الاسلامية الشيعية حتى يتسنى له خدمة اوليائ نعمته البريطانيين على نحو افضل فى المناطق التى يعمل فيها وهى فى الغالب سنية . كما كان يتحدث بتشكك عن المنفعة الاجتماعية للدين The social utility of religion . كان يقف خلف الافغانى احد قادة المستشرقين البريطانيين , ادوارد قرانفيل Edward Granville Brown ومتى ما نفذت منه النقود , كان الافغانى ييمم دؤوباً كالنحلة شطر لندن , حيث كان دائما ما يُسعف بالتمويل , دار للطباعة وتسهيلات احرى .
كان احد حوارييى الافغانى البارزين ورفيقه فى العمالة للاستخبارات البريطانية هو محمد عبده (1849-1905) . عبده المولود فى مصر أسس جماعة السلفية تحت رعاية القنصل البريطانى فى مصر , ايفلين بارنج (اللورد كرومر) . فى عقد سنوات 1870 أسس الافغانى ومحمد عبده حركة شباب مصر التى قاتلت الوطنيين المصريين العلمانيين . وفى منتصف 1880 انتقل الرجلان الى باريس حيث أسسا مجلة تحت رعاية المحافل الماسونية البريطانية والفرنسية سميت “بالعروة الوثقىBond “Indissoluble .كانت هناك بعض الحكايات المتداولة عن السنوات الثلاث التى قضاها الافغانى وعبده فى باريس , تشير الى أنهما كانا على اتصال مباشر مع قداسة البابا St. Yues d'Alveydre الرجل المؤسس “لحركة أثرياء العالم Synarchist “ومن باريس قفل الثنائى راجعين الى لندن .
فى عام 1899 بعد سنتين على وفاة الافغانى , نصب اللورد كرومر محمد عبده ليصبح مفتى عام مصر . وفى المقابل أتى محمد عبده بمحمد راشد رضا (1935-1865) وهو رجل سورى هاجر الى مصر ليصير اقرب حواريى محمد عبده . أسس رضا المنظمة التى سوف تكون فيما بعد هى النواة لحركة الاخوان المسلمين :” جمعية الدعوة والارشاد.” اصدرت تلك المنظمة الماسونية مجلة باسم “المشكاة” The Lighthouse” التى قدمت الدعم الاسلامى اللازم للحكم الاستعمارى البريطانى فى مصر وذلك بالهجوم على الوطنيين المصريين ووصفهم “بالملحدين والكفرة”. فى القاهرة وتحت رعاية بريطانية افتتح رضا معهد الدعوة الاسلامية “الدعوة والارشاد” الذى أتى بالاسلاميين من كل انحاء العالم الاسلامى لتدريبهم على فنون الاثارة والدعاية السياسية Political Agitation . أسس رضا وآخرين من انصار محمد عبده حزب الشعب The People Party والذى كان يبث الدعاية لصالح الحكم الاستعمارى البريطانى . احد خريجى معهد الدعوة والارشاد وهو ايضاً شخصية محورية فى حزب الشعب هو حسن البنا (1949-1906) تسنى للبنا أن يؤسس جماعة الاخوان المسلمين فى 1928 .
جماعة الاخوان المسلمين فى الاصل هي وبلا مواربة كانت عبارة عن جبهة للاستخبارات البريطانية . فقد كان المسجد فى الاسماعيلية بمصر والذى كان اول مقر لرئاسة الاخوان المسلمين بنى بواسطة شركة قنال السويس (البريطانية) بالقرب من قاعدة عسكرية بريطانية ابان الحرب العالمية الاولى . ابان الحرب العالمية الثانية عمل الاخوان المسلمون كفرع اصيل من المؤسسة العسكرية البريطانية . وفى عام 1942 خلق الاخوان المسلمون “الجهاز السرى” وهو عبارة عن تنظيم يضم ميليشيات مسلحة تعمل تحت الارض متخصصة فى الاغتيالات والتجسس .
هتلر والمفتى العام :
خلال سني التكوين الاولى لجماعة الاخوان المسلمين كان جهاز الاستعمار البريطانى للمكتب العربى يتبنى فى ذات الوقت ويلمع شخصية “اسلامية” اخرى يسمى حاج امين الحسينى . وهو شخصية تكره السامية بشدة وله قليل من التدريب فى أمور العقيدة الاسلامية , تم تلميع الحسينى على يد سير رونالد ستورز Ronald Storrs الحاكم العام البريطانى ومساعد السير هربرت صامويل Herbert Samuel المندوب السياسى البريطانى فى فلسطين . فى عام 1921 كان الحسينى قد تم تنصيبه كرئيس للمحكمة الاسلامية العليا , وهى رابطة مدعومة من بريطانيا تضم قادة اسلاميين تم اختيارهم بعناية . وفى العام التالى قام سير رونالد ستورز بتزوير انتخابات مفتى عام القدس لصالح الحسينى . عند اندلاع الحرب العالمية الثانية , قام الحسينى فى توأمة مع البنا بالهروب من القدس متجهاً الى برلين ليكون نافخ البوق ايذاناً بالهجوم النازى على اليهود .
على الرغم من خيانته الظاهرة للبريطانيين , هذه المرة رجع الحسينى بنهايات الحرب العالمية الثانية للأراضى المقدسة ثانية , ليظهر مرة اخرى على كشف مرتبات عملاء الاستخبارات البريطانية , هذه المرة كماركة جديدة تحت مسمى “الدعاية ضد الشيوعية” يؤدي عمله من محطة الاذاعة البريطانية للشرق الادنى . ظل الحسينى عموداً ثابتا فى توليفات بريطانيا لتشكيل اليمين الاسلامى فى الشرق الادنى بقية حياته , يمنح الحماية للنازيين ايام الحرب وهم الذين تم تجنيدهم لصالح الاستخبارات البريطانية وتم نقلهم للمنطقة كخبراء ضد الشيوعيين .
حسن البنا تم اغتياله فى عام 1949 على يد عملاء الامن المصريين لكن بحلول ذلك الوقت كانت قد تمددت صفوف حركة الاخوان المسلمين على نطاق واسع وانتشرت فى مناطق اخرى من الشرق الادنى حيث كان لبريطانيا وجود ضارب فى مرحلة ما بعد الحرب . خلف حسن البنا على رأس جماعة الاخوان زوج ابنته سيد رمضان . سافر رمضان في كل انحاء الشرق الادنى قبيل اغتيال البنا , يؤسس افرع للجماعة. فى الاردن وسوريا ولبنان وفلسطين استطاع رمضان بنجاح أن يفتتح افرع للجماعة هناك . تشير التقديرات انه بحلول عام 1947 كان لجماعة الاخوان المسلمين ما يزيد على 25 الف عضو فى فلسطين وحدها . بالاضافة الى اعضاء آخرين منخرطين فى تنظيمات الميليشيات التى تعمل تحت الارض (السرية).
:British Brains and American Brawnالعقل البريطانى والقوة الامريكية
كان موت فرانكلين روزفيلت (الرئيس الامريكى آنئذ) فى ابريل 1945 قد فتح للندن الفرصة لتشكيل الخارطة السياسية العالمية لمرحلة ما بعد الحرب . نظرية ونستون تشرشل (رئيس وزراء بريطانيا آنذاك) الشهيرة “الستار الحديدي اThe Iron Curtain ” اعطت تعريفاً للحرب الباردة , كما نسجت الشراكة الانجلو-امريكية التى وصفها تشرشل مرة فى قوله “بالعقل البريطانى والقوة الامريكية يمكننا أن نحكم العالم.” وهكذا بدأ التحالف الانجلو-امريكى مع جماعة الاخوان المسلمين , نسج هيئات من الاسلاميين اليمنيين تحت راية مناهضة الشيوعية الملحدة Godless Communism . لسوء الحظ ,غالباً ما يقع راسمو السياسة الامريكية تحت التأثير البريطانى , فيخطؤن التقدير فى تصنيف الحركات الوطنية الشرعية فى العالم العربى بأنها واجهات للاتحاد السوفيتى على الرغم من الاحتجاجات التى يطلقها الدبلوماسيون الامريكيون وضباط الاستخبارات من حين الى آخر .
يورد درايفس بعناية قائمة طويلة من تعرجات اتخاذ القرار فى السياسة الامريكية خلال عقد الخمسينات 1950 نحو ايران ومصر , باعتبارهما اولى حالتى اختبار بروز القومية العلمانية فى الدول الاسلامية . وفى كلتا الحالتين , انحازت الولايات المتحده فى نهاية المطاف لبريطانيا ضد الحكومات الشعبية العلمانية فى مصر (جمال عبد الناصر) وايران (محمد مصدق) . وفى كلتا الحالتين لجأ التحالف الانجلو-امريكى الى تحريك جماعة الاخوان المسلمين واستعمالها كمطرقة لهدم النظاميين المارقين . ففى حالة مصر , فشلت المجهودات الانجلو-امريكية فى البدء , اذ قام الرئيس دوايت ايزنهاور فى اكثر المواقف الحاسمة خلافاً مع لندن , حيث هزم الغزو الثلاثى البريطانى-الفرنسى-الاسرائيلى للسويس فى عام 1956 وبذلك دعم مؤقتاً نظام عبد الناصر . على مدى سنوات من أزمة السويس كان آيزنهاور والولايات المتحده محل تقدير واحترام فى مصر .
أحد مهندسى اللعبة البريطانية الكبرى فى تحريك الاسلاميين كالدمى ضد الشيوعيين فى الشرق الادنى كان هو د. بيرنارد لويس Bernard Lewis عميل الاستخبارات البريطانية التابع لشعبة العالم العربى ايام الحرب , والذى صاغ فيما بعد عبارة “صدام الحضارات” . يوثق درايفس لمقال هام كتبه لويس عام 1953 بعنوان “الشيوعية والاسلام” والذى عبر فيه عن قناعته في تبنى استراتيجية لدعم الانظمة والحركات الاسلامية اليمينية كسلاح لسد منافذ الاتحاد السوفيتى فى الشرق الادنى . خطة لويس تبناها الأخوان ديولز The Dulles Brothers وهما وزير الخارجية جون فوستر ومدير السى اي ايه CIA آلن , على الرغم من التحفظات التى ابداها الرئيس آيزنهاور وبعض كبار المختصين بشؤون الشرق الاوسط من رجال الCIA مثل مايلز كويلاند الذى كان اول حلقات الوصل بين الCIA وجمال عبد الناصر . فى العام 1953 , بعد ظهور مقال لويس بقليل , نظم الاخوان دويلز لقاءاً فى البيت الابيض بين الرئيس وسعيد رمضان . كان رمضان فى وضع مريح , حيث جاء الى الولايات المتحده لحضور مؤتمر حول الاسلام فى جامعة برنستون . كان كثير من المشاركين فى المؤتمر هم من المسؤولين التابعين لجماعة الاخوان المسلمين من جميع مناطق العالم العربى .
على الرغم من موقف الولايات المتحدة المتردد والمتناقض حيال عبد الناصر , لم يكن ثمة شك عند رئيس وزراء بريطانيا انتونى ادن بأن الرئيس المصرى يمثل تهديداً ويجب ابعاده . وبحلول عام 1954 قام جورج يونج وهو من كبار ضباط الاستخبارات البريطانية M16 الموجود فى مصر , صدرت اليه الاوامر من ادن باغتيال عبد الناصر . حسب تقارير M16 , لجأ يونج سرياً للاستعانة بجماعة الاخوان المسلمين للقيام بالمهمة . وبمنتصف ذلك العام , نشبت حرب واسعة النطاق بين عبد الناصر وجماعة الاخوان المسلمين , قُتل فيها آلاف وفى النهاية اجبر الاخوان على الهرب كلاجئين الى السعودية والاردن ودول عربية آخرى تابعة للمعسكر البريطانى او المعسكر الانجلو-امريكى .
تبنى الولايات المتحده للعبة “الاسلام” البريطانية وصفها ضابط استخبارات الCIA المتقاعد روبرت باير فى كتابه الذى ظهر اخيراً بعنوان مضاجعة الشيطان “Sleeping with the Devil” . نجد فى جعبتها الأخيرة هذا السر الخبيث فى واشنطن: ” البيت الابيض ينظر للأخوان بانهم حليف اخرس , سلاح سرى ضد (ماذا؟) الشيوعية؟” . بدأت عملية سرية فى عقد الخمسينات 1950 مع الاخوين دويلز – آلن من الCIA وجون فوستر من وزارة الخارجية- حينما وافقا على قيام العربية السعودية بتمويل اخوان مصر ضد عبد الناصر . تنظر واشنطن لعبد الناصر باعتبار انه شيوعى . قاد منطق الحرب الباردة الى نتيجة واضحة : (اذا اراد الله سبحانه وتعالى ان ينصرنا.. حسناً , اذا اراد الله سبحانه وتعالى ان الاغتيالات السياسية مسموح بها , فذلك حسنٌ ايضاً , ما دام لا احد يتحدث عن ذلك علناً.)
اضاف باير : “مثلها مثل اى عملية سرية ناجزة , هذه العملية كانت خارج التقارير والمكاتبات بصرامة strictly off the books. لم يعثر عليها فى سجلات الCIA ولم تكن هناك اية مذكرة تذكيرية للكونجرس . لم يخرج فلس واحد من الخزانة لتمويلها . بكلمات اخرى , ليس هناك اى سجل لهذه العملية . كل ما كان على البيت الابيض القيام به هو ان يعطى الموافقة بغمزة عين وايماءة رأس لتلك الدول التى تختبئ فيهها جماعات الاخوان المسلمين كالسعودية والاردن .”
عمليات فى ايران (صنع فى بريطانيا):
اذا كانت مجهودات ادن للقضاء على عبد الناصر قد منيت بالفشل , فان استجابة التحالف الانجلو-امريكى للأحداث فى ايران كان نجاحاً محسوبا –الا انه مضخم كثيراً- لكنه كان نجاحاً ارتد فى النهاية على وجه لندن وواشنطن . يوثق درايفس – وبعكس الافتراضات الشائعة- أن جماعة الاخوان المسلمين ليست حركة سنية بالكامل . ففى ايران هناك رجل الدين الشيعى آية الله سيد ابو القاسم كاشانى كان معاوناً لصيقاً للبنا ورمضان وآخرين من الجماعة .
أنشأ آية الله كاشانى فى العام 1943 فرعاً شيعياً لجماعة الاخوان المسلمين سماه “مخلصى الاسلام” . ومثلهم مثل الاخوان المسلمين , كان لجماعة مخلصى الاسلام فرق للاغتيالات الخاصة بهم . فشلوا فى العام 1949 في اغتيال الشاه , ولكن بعد مرور سنتين تمكنوا من اغتيال رئيس وزراء ايران , الجنرال على رازمرا .
من المفارقات الغريبة , أن اغتيال الجنرال رازمرا قاد الشاه لتعيين محمد مصدق ليكون رئيس الوزراء الجديد , وبذلك يكون قد أعد المسرح لمرحلة اخرى من انقلاب التحالف الانجلو-امريكى على نظام قومى علمانى ثم اتهامه زوراً بأنه شيوعى , وكما كان الحال فى مصر لجأ البريطانيون الى الاخوان المسلمين ممثلين فى جماعة “مخلصى الاسلام” لالهاب اعمال الشغب فى الشوارع وأعمال تخريبية أخرى قادت فى النهاية لاسقاط حكومة مصدق. الانقلاب فى ايران صار هو الغذاء الذى يغذى اسطورة ضابطى الCIA كرمين و آرشيبولد روزفلت الذين نظما البازارى لصد التمدد الشيوعى ولمنع تأميم الممتلكات البريطانية النفطية فى ايران . إذ أفاد احد المصادر الايرانية الموثوقة أن مصدق كان قرر التنازل عن السلطة طواعية مفضلا عدم تبني أي من الخيارين : الوقوف الى جانب الحزب الشيوعى الايرانى المدعوم من الاتحاد السوفيتى , او اطلاق يد قواعد جماهيره العريضة لقتال الاخوان المسلمين وحلفائهم من البازارى . كانت شفقة مصدق على مصلحة الشعب الايرانى هى التى لها علاقة بما يسمى “انقلاب” وليس الإقدام والشجاعة المزعومين لغلمان روزفلت وشركائهم من البريطانيين .
أبدت الاميرة أشرف بهلوي – شقيقة الشاه التوأم – وعلى الرغم من دورها الملتوى هى نفسها , ابدت آرائها حول العديد من الشخصيات حينما انبرت للدور البريطانى : ” الكثير من رجال الدين شكلوا تحالفات مع ممثلين لقوى اجنبية , غالباً البريطانيين وكان هناك فى الحقيقة نكتة يتداولها الناس فى فارس (ايران) تقول اذا نظرت الى احد رجال الدين سوف ترى الكلمات “صنع فى انجلترا” مختومة على الجانب الآخر … فبتشجيع من البريطانيين الذين رأوا الملالى كقوة فعالة مضادة للشيوعيين , فان عناصر الدين اليمينى المتطرف بدأت فى الظهور مرة أخرى بعد سنوات من الكبت .”
بعض الأهداف : سوريا وأفغانستان:
المعركة الثانية المدعومة من بريطانيا بين اليمين الاسلامى والشيوعية حدثت فى سوريا . ومرة أخرى هنا كان الاخوان المسلمون هم سلاح لندن المفضل . يسمى فرع الاخوان فى سوريا “شباب محمد” بينما يسمى جناحه المسلح “طليعة المقاتلين .” أسست المجموعة على يد رمضان , زوج ابنة حسن البنا وريث ومؤسس حركة الاخوان المسلمين . وعندما قام الانقلاب البهائي في عام 1969 , بدأ الاخوان حملة من الحرب غير المنظمة التي سرعان ما ازداد اوارها خلال عقد السبعينات 1970 – 1979 , حيث شن الأخوان المسلمون هجوماً عسكرياً على الأكاديمية العسكرية السورية في مدينة أليبو . تلا ذلك أن نشبت حرباً مفتوحة بين الأخوان والحكومة السورية كان حصيلتها آلاف الضحايا . وفي النهاية هرب الأخوان المسلمون الى العربية السعودية.
وحتى قبل نهاية المعركة في سوريا , قد تم فعلاً جر الولايات المتحدة إلى ما يمكن وصفه بالحلقة المتآمرة بين واشنطن , ولندن واليمين الإسلامي التي كان تاجها الحرب الأفغانية. يعطينا درايفس , مرة أخرى في كتابه , تاريخاً موثقاً لتطور حركة الأخوان المسلمين في أفغانستان النائية. ومرة أخرى أيضاً , نتتبع الجذور إلى مصر . إذ نجد مجموعة من الطلاب الأفغان الشباب قضوا عدة سنوات في جامعة الأزهر بالقاهرة مركز نشاط جماعة الأخوان المسلمين . وعندما عادوا إلى أفغانستان , كونوا فرعاً للجماعة سمي “الجماعة الإسلامية ” أو العلماء Professors كما كان يطلق عليهم , كانوا هم النواة التي شكلت فيما بعد العمود الفقري للمجاهدين الأفغان , الذين شنوا حرباً امتدت على مدى عقد من الزمان بدعم من بريطانبا والولايات المتحدة ضد الاحتلال السوفيتي لأفغانستان . أبرز ثلاثة علماء كانوا هم عبد الرسول سياف , وبرهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار. سياف وحكمتيار كانا يتلقيان الدعم من الاستخبارات الباكستانية SIS – فرع الاستخبارات العسكرية , وأيضاً من جماعة أخوان مسلمي باكستان المسماة “الجماعة الاسلامية” التي أسسها أبو العلاء مودودي.
الحرب الأفغانية – وبخلاف الأسطورة المتداولة – لم تكن حرباً غربية للرد على غزو الجيش الأحمر الروسي على أفغانستان أيام أعياد الكريسماس عام 1979 . ففي مقابلة صحفية مع بعض الصحفيين الفرنسيين , قال مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر يومئذ المستشار زبقنيو برززنسكي مفاخراً أنه استطاع أن يقنع الرئيس بالموافقة على دعم سري لمتمردي المجاهدين الأفغان , وبذا تم التحريض على الغزو السوفيتي. الشخصيات الثلاث البارزة من جماعة الأخوان المسلمين المشار إليهم آنفاً , هم الذين قادوا الفرق الرئيسية للتمرد في أفغانستان. لكن , وكما يوثق درايفس , كان هناك ما يقدر بنحو 35 ألف من “الأفغان” العرب من 43 دولة عربية تم تجنيدهم خلال العقد الذي استغرقته الحرب في أفغانستان للانضمام إلى المعركة.
كان أحد الشخصيات المفتاحية في عمليات التجنيد هذه مدعوماً من المعسكر الأنجلو-أمريكي شخص فلسطيني من جماعة الأخوان المسلمين يسمى عبد الله عزام. في العام 1984 , وتحت رعاية أنجلو-أمريكية وباكستانية, قام عزام ومعه ربيب آخر : أسامة بن لادن , قاما بتأسيس مكتب الخدمات في بيشاور باكستان. مكتب الخدمات كان يقوم بدور الضيافة للجهاديين القادمين. عزام نفسه كان تم تجنيده لجماعة الأخوان في سوريا عام 1960.
في الأثناء التي قضى فيها المحافظون الجدد – من أمثال مايكل لدين وريتشارد بيري – في واشنطن أغلب فترة حكم الرئيس ريغان يستعرضون حكمتيار وقادة الأفغان الآخرين في ردهات الكونجرس, ويسوّقونهم على أنهم “مناضلون من أجل الحرية freedom fighters" ” شجعان , كان هناك على الأقل واحدة من ضباط الاستخبارات CIA ذات خبرة واسعة في الشرق الأوسط حذرت من خطورة قصر نظر السياسة الأمريكية. مارثا كسلر أخبرت درافس: “كان ادينا نظام عالمي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وكان أمامنا أن نقذف بموظفينا في المدن الكبيرة , ولم تكن الحركة الاسلامية تحدث في تلك المدن. كانت تحدث في الريف وفي المدن الصغيرة .” ولما بدأت الحرب الأفغانية تتداعى , كتبت مارثا سلسلة من المذكرات تحذر فيها من أن الأحداث تسير بوضوح في اتجاه مضاد للمصالح الأمريكية في باكستان وأفغانستان ومصر والسودان. “وقلت أنه عندما بدأت الحكومات في المنطقة باتخاذ التدابير لتحييد الاسلاميين , فسيكون من شأن ذلك تغيير تلك الحكومات. كانت هي واحدة من تلك المدارس التي ستكون ضد المصالح الأمريكية بشكل كبير.”
ثم أضاف باير لتقييم كسلر. كان باير يعمل في المكتب الخاص بالعمليات المضادة للإرهاب في أجهزة ال CIA عقب أحداث نوفمبر1981 التي قام فيها تنظيم الأخوان المسلمين بعملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات. كان السادات في وقت ما عضواً في جماعة الأخوان المسلمين , لكنه دمغ ب “الخائن” لتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن . ذكر باير انه “بدأ يبحث في وثائق عن الأخوان المسلمين” لكنه ختم حديثه بالقول: “لم يكن في إدراكنا الواعي أن نتعقب هؤلاء الناس” (يعني أنهم حلفاء في الخفاء: تعليق إيضاحي من المترجم).
الخطر اليوم:
الآن وبعد مرور 17 عاماً على نهاية الحرب في أفغانستان , وحوالى 5 سنوات على مرور هجمات 11 سبتمبر , عادت الطيور إلى أوكارها. إلا أن البعض من المحافظبن الجدد بواشنطن يصرون على تجاهل الحقيقة . في الفصل الختامي لكتابه “لعبة الشيطان Devil's Game ” , شن درايفس هجوماً عنيفاً على الأكاديمي بالمعهد الأمريكي للأعمال American Enterprise Institute بول مارك قريشيت , الذي كان ضابطاً سابقاً في ال CIA تحول لاحقاً إلى محافظ جديد من ماركة جديدة. ففي كتابه الصادر عام 2005 تحت عنوان “اللغز الاسلامي: رجال الدين الشيعة, المتطرفين السنة وبزوغ الديمقراطية العربية The Islamic Paradox: Shiite Clerics, Sunni Fundamentalists and the Coming of Arab Democracy" يقول فيه أن على واشنطن أن تلقي بثقلها خلف اليمين الاسلامي – كلا من الشيعة والسنة . ويحتج لذلك بأن الأخوان المسلمين في مصر هم أفضل من نظام مبارك , وأن الهيمنة الشيعية على العراق من شأنها أن تبتدر بزوغ فجر جديد للديمقراطية الغربية في المنطقة. حتى أن آية الله الخميني وقف داعماً لاستهداف قريشيت لمبارك: “بارك الخميني عرض فكرة الجمهورية الاسلامية للاقتراع الشعبي العام في عام 1979 حيث قامت على إثرها انتخابات منتظمة سمحت بقدر من المنافسة التي كانت ضرورية أخلاقياً للنظام لاختبار رؤاه ومشروعية حكمه , شيء مخالف تماماً لحالة الرئيس حسني مبارك وديكتاتوريته في مصر. العداء لأمريكا هو القاسم المشترك لكل الدول العربية التي يترأسها ديكتاتوريون موالون لأمريكا. وبالمقارنة تصبح إيران دولة موالية لأمريكا بفارق كبير.”
مثل هذه “السفسطة” إذا لم يتم تداركها , سوف تقضي على مصداقية الولايات المتحدة كمنارة للتحرر تلهم الشعوب التي تناضل من أجل ذلك حول العالم. إحدى أهم الخطوات نحو تغيير توجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة وطيش استراتيجية الأمن القومي المسماة “الحرب العالمية على الإرهاب ” هو فهم التاريخ الانساني. توثيق درايفس في كتابه لتبني الولايات المتحدة الأحمق للإخوان المسلمين الذين نشأوا في أحضان بريطانيا – بينما لا يخلو من العيوب – إلا إنه خطوة مباركة نحو إعطاء ذلك النوع من الفهم التاريخي الذي من شأنه أن يقود إلى إصلاحات كبرى في السياسة الأمريكية تأخرت كثيراً في الخروج. ولهذا السبب لوحده , يظل الكتاب مادة هامة للقراءة , خاصة في سنة انتخابية حاسمة.
(انتهى).
خاتمة : تعليق المترجم:
السؤال الذى يلح على القارئ : لماذا تصر اجهزة الاستخبارات الغربية – خاصة البريطانية والامريكية – على دعم جماعات الاخوان المسلمين حتى تمكينها من السيطرة على مقاليد الحكم فى العديد من البلدان الإسلامية ؟! الاجابة على هذا السؤال هى ببساطة لمنع انطلاقة هذه الشعوب نحو التقدم وحرمانها من التمتع بخيرات بلدانها وإيقاف عجلة التنمية وابقاء هذه الشعوب فى حالة من التخلف والجهل والمرض والجوع والفقر . أنظر الى حال السودان مثلاً . فالسودان بلد بإمكاناته المادية البشرية والاقتصادية يوازى الولايات المتحدة , وبإمكان السودان اذا استغلت موارده الكثيرة استغلالاً أمثل أن يعيش على ترابه عدد مماثل للسكان فى الولايات المتحده , فبينما نجد السودان اليوم لا يستطيع اعاشة سكانه البالغ عددهم حوالى 30 مليون نسمة , يعيش اكثر من 90% منهم تحت خط الفقر! أين ذهبت ثروات السودان من بترول وذهب ومواد غذائية زراعية وحيوانية وغيرها من الثروات هي الأوفر على نطاق العالمين العربي والأفريقي؟ على مدى ربع قرن من حكم الجبهة الاسلامية ومن خلقها لأدوات الامبريالية والماسونية العالمية – ذهبت ثروات السودان الى تلك القوى الامبريالية التى أتت بالأخوان المسلمين لحكم السودان . وسوف يتم تفكيك السودان الى خمس دويلات ضعيفة حسبما هو مخطط له من تلك الجهات . وفى كل ذلك تكون جماعات الاخوان المسلمين الحاكمة فى السودان وفى غيره هى المنفذ الأول والحصري لتلك السياسات فى البلاد الاسلامية , ما لم تنهض الشعوب المغرر بها وتفيق من تغييبها الطويل باسم الدين لتسترد حريتها وحقوقها السليبة وتبدأ مشوارها نحو التقدم والازدهار مثل سائر الشعوب على هذا الكوكب.
المترجم: أبو محمد
(دعواتكم لنا بالرحمة والمغفرة وحسن المنقلب)
النص الانجليزي:


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.