هذه أيام مباركات، خير العمل فيها إصلاح ذات البين، ابتداء من الأخوة والأخوات وليس انتهاء بالجيران ولا وقوفاً عند الأزواج، ولا مرور الكرام على الساسة الذين هم أكثر الناس قدرة لإفساد ذات بينهم وبين منافسيهم وبينهم جميعاً وبين من ظنوا فيهو الخير، وبذلوا لهم الولاء الأعمى الذي يظنون أنه يعني الانقياد الذي هو في حقيقته تعصب أعمى يضرهم جميعاً سايس ومسيوس لينتشر سوس فقدان الثقة ويسري في المجتمع. لله في أيامه نفحات، أوصانا الحبيب المصطفى أن نتعرض لها عسى أن يصيبنا من خيرها شيء، ومنها هذه العشر الأوائل من شهرنا ذي الحجة هذا، فالحج موسم للنفس ترى فيه ذوبان الفروقات وتتجرد من كل الفوارق، فالرب واحد والزي موحد لا فرق فيه بين أسود وأبيض وأصفر وأحمر، ولا غني ولا فقير تماماً كالكفن الذي ندخل به الى ضيق القبر أو سعته. الشرع واحد لا تجاوز فيه، فالزي موحد والنظافة واحدة لا استثناء فيها والوجه واحدة ، وأعجب لماذا بعد انقضاء أجل الشعيرة نعود سيرتنا الأولى من التمايز والتظالم والتفاخر بالمال والأنساب، ومعلوم بالضرورة أن العبادة التي لاتحدث فارقاً في السلوك تستوجب مراجعة النفس والنية ومقدار الإخلاص فيها. وننسى كذلك أن هذه أيام فداء وإيثار وفداء وتضحية ونكران ذات، يتوجب أيضاً أن نعيشها بكل معانيها الروحية، ولا نكتفي بأن نجعلها مناسبة للتفاخر بأسعار الخراف التي اقتنيناها (خروفنا أكبر من خروفك ... وخروفنا طاعم ولحمه هش .. وشطتنا أحر من شطتكم) لماذا نحول الضحية لمناسبة للتفنن في حشو البطن بأكبر كمية من اللحوم ،ونلتهم نصيب البائس والفقير، ولا نجود إلا بالكوارع ورأس النيفة، وما اختلط بالعظم وقبلها حولنا شهر رمضان المبارك من موسم لترويض النفس الى موسم لشهوات الأكل. أن مشروعية العبادات تتلخص في كيفية أدائها بإخلاص والتفكر في أسبابها الشرعية والتعمق في التفكير لاستنباط غرض الشارع الحكيم، فالدين لم يحرمنا من حظوظ النفس وبذل لنا منافع في الحج وشرع لنا وكلوا منها وأطعموا .. أفلا نتدبر القرآن؟